بسم الله الرحمن الرحيم
اقدم لكم هذه المدونة المتواضعة التي تقدم مواضيعا عن الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف . و تحتوي هذه المدونة المتواضعه على مواضيع قيمة لا يستغني عنه الموالي لاهل البيت عليهم السلام .

العلائم القريبة

بسم الله الرحمن الرحيم
وهي علامات كثيرة أيضاً تحدث قريباً من الظهور. ذكرتها الاحاديث الشريفة التي جمعها شيخ الشيعة المفيد ( قدس سره ) في باب ذكر علامات قيام الامام المهدي ( عليه السلام ) ولخّص ( قدس سره ) تلك العلامات في أول الباب ، وعدّ منها :

( كُسُوفُ الشَّمْسِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَخُسُوفُ الْقَمَرِ فِي آخِرِهِ عَلَى 1 ـ روضة الكافي ، ج 8 ، ص 36 ـ 42 ؛ البحار ، ج 52 ، ص 256 ، باب 25 ، حديث 147.




(21)

خِلاَفِ الْعَادَاتِ ، وَخَسْفٌ بِالْبَيْدَاءِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَرُكُودُ الشَّمْسِ مِنْ عِنْدِ الزَّوَالِ إِلَى أَوْسَطِ أَوْقَاتِ الْعَصْرِ ، وَطُلُوعُهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ، وَقَتْلُ نَفْس زَكِيَّة بِظَهْرِ الْكُوفَةِ فِي سَبْعِينَ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَذَبْحُ رَجُل هَاشِمِيّ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، وَهَدْمُ حَائِطِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ ، وَإِقْبَالُ رَايَات سُود مِنْ قِبَلِ خُرَاسَان.

وَظُهُورُ الْمَغْرِبِيِّ بِمِصْرَ وَتَمَلُّكُهُ الشَّامَاتِ ، وَنُزُولُ التُّرْكِ الْجَزِيرَةَ ، وَنُزُولُ الرُّومِ الرَّمْلَةَ ، وَطُلُوعُ نَجْم بِالْمَشْرِقِ يُضِيءُ كَمَا يُضِيءُ الْقَمَرُ ثُمَّ يَنْعَطِفُ حَتَّى يَكَادَ يَلْتَقِي طَرَفَاهُ ، وَحُمْرَةٌ يَظْهَرُ فِي السَّمَاءِ وَيُنْشَرُ فِي آفَاقِهَا ، وَنَارٌ تَظْهَرُ بِالْمَشْرِقِ طَوِيلاً وَ تَبْقَى فِي الْجَوِّ ثَلاَثَةَ أَيَّام أَوْ سَبْعَةَ أَيَّام ، وَخَلْعُ الْعَرَبِ أَعِنَّتَهَا وَ تَمَلُّكُهَا الْبِلاَدَ وَ خُرُوجُهَا عَنْ سُلْطَانِ الْعَجَمِ.

وَ قَتْلُ أَهْلِ مِصْرَ أَمِيرَهُمْ ، وَخَرَابُ الشَّامِ ، وَاخْتِلاَفُ ثَلاَثِ رَايَات فِيهِ ، وَدُخُولُ رَايَاتِ قَيْس وَالْعَرَبِ إِلَى مِصْرَ وَرَايَاتُ كِنْدَةَ إِلَى خُرَاسَانَ ، وَوُرُودُ خَيْل مِنْ قِبَلِ الْعَرَبِ حَتَّى تُرْبَطَ بِفِنَاءِ الْحِيرَةِ ، وَإِقْبَالُ رَايَات سُود مِنَ الْمَشْرِقِ نَحْوَهَا.

وَبَثْقٌ فِي الْفُرَاتِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَاءُ أَزِقَّةَ الْكُوفَةِ ، وَخُرُوجُ سِتِّينَ كَذَّاباً كُلُّهُمْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ ، وَخُرُوجُ اثْنَا اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ آلِ أَبِي طَالِب كُلُّهُمْ يَدَّعِي الاِْمَامَةَ لِنَفْسِهِ ، وَإِحْرَاقُ رَجُل عَظِيمِ الْقَدْرِ مِنْ شِيعَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ بَيْنَ جَلُولاءَ وَخَانِقِينَ ، وَ عَقْدُ الْجِسْرِ مِمَّا يَلِي الْكَرْخَ بِمَدِينَةِ السَّلاَمِ ، وَارْتِفَاعُ رِيح سَوْدَاءَ بِهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ، وَزَلْزَلَةٌ حَتَّى يَنْخَسِفَ كَثِيرٌ مِنْهَا.

وَخَوْفٌ يَشْمَلُ أَهْلَ الْعِرَاقِ وَبَغْدَادَ ، وَمَوْتٌ ذَرِيعٌ فِيهِ ، وَنَقْصٌ مِنَ الاَْمْوَالِ وَ الاَْنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ، وَجَرَادٌ يَظْهَرُ فِي أَوَانِهِ وَفِي غَيْرِ أَوَانِهِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الزَّرْعِ وَالْغَلاّت ، وَقِلَّةُ رَيْع لِمَا يَزْرَعُهُ النَّاسُ ، وَاخْتِلاَفُ صِنْفَيْنِ مِنَ الْعَجَمِ ، وَسَفْكُ دِمَاء كَثِيرَة فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَخُرُوجُ الْعَبِيدِ عَنْ طَاعَاتِ سَادَاتِهِمْ وَ قَتْلُهُمْ مَوَالِيَهُمْ.

[ وَمَسْخٌ لِقَوْم ] مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ حَتَّى يَصِيرُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، وَغَلَبَةُ الْعَبِيدِ عَلَى بِلاَدِ



(22)

السَّادَاتِ ، وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى يَسْمَعَهُ أَهْلُ الاَْرْضِ كُلُّ أَهْلِ لُغَة بِلُغَتِهِمْ ، وَوَجْهٌ وَ صَدْرٌ يَظْهَرَانِ لِلنَّاسِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ ، وَأَمْوَاتٌ يُنْشَرُونَ مِنَ الْقُبُورِ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الدُّنْيَا فَيَتَعَارَفُونَ فِيهَا وَيَتَزَاوَرُونَ ، ثُمَّ يُخْتَمُ ذَلِكَ بِأَرْبَع وَعِشْرِينَ مَطْرَةً يَتَّصِلُ فَتَحْيَا بِهِ الاَْرْضُ بَعْدَ مَوْتِهَا ، وَتُعْرَفُ بَرَكَاتُهَا وَ يَزُولُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ عَاهَة عَنْ مُعْتَقِدِي الْحَقِّ مِنْ شِيعَةِ الْمَهْدِيِّ ( عليه السلام ).

فَيَعْرِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ ظُهُورَهُ بِمَكَّةَ ، فَيَتَوَجَّهُونَ نَحْوَهُ لِنُصْرَتِهِ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الاَْخْبَار (1) ).

وتفصيل العلامات تلاحظها في خطبة البيان المروية عن مولانا أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) (2).


القسم الثالث : العلائم المقترنة


وهي علامات خاصة قريبة جداً من الظهور المبارك ؛ تحدث في نفس سنة الظهور أو السنة السابقة عليه.

وهي كما تقدم على نوعين :

علائم محتومة.

وعلائم غير محتومة.

بالبيان التالي : 1 ـ الارشاد ، ج 2 ، ص 368 ؛ كمال الدين ، ص 330 ، باب 32 ، حديث 16.


2 ـ الزام الناصب ، ج 2 ، ص 178.



(23)

أمّا العلائم المحتومة


فهي ما في حديث الامام الصادق ( عليه السلام ) :

« قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، والسفياني ، والصيحة وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء » (1).

فلنشير إلى شيء من بيان العلائم الحتمية الخمسة للظهور المبارك :


1 ـ الصيحة السماوية


وهي النداء السماوي الذي ينادي به جبرئيل ( عليه السلام ) في ليلة الجمعة ، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك :

« يا عباد الله ! اسمعوا ما أقول : إنّ هذا مهدي آل محمد خارج من أرض مكة فأجيبوه » ، كما في خطبة البيان (2).

وهذا من أبرز الآيات وأوضح العلامات على ظهوره الشريف.

ويكون بصوت مفهوم ومسموع ، يسمعه جميع أهل العالم ، كلّ قوم بلسانهم ؛ كما في حديث زرارة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) (3).

وفي حديث آخر : ينادي مناد من السماء باسم القائم ، فيسمع ما بين المشرق والمغرب فلا يبقى راقد إلاّ قام ، ولا قائم إلاّ قعد ، ولا قاعد إلاّ قام على رجليه من ذلك الصوت ، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين ( عليه السلام ) (4).

وتكون هذه الصيحة أعظم بشرى وسرور للمؤمنين ، حتى تسمعه العذراء في 1 ـ كمال الدين ، ص 650 ، باب 57 ، حديث 7.


2 ـ الزام الناصب ، ج 2 ، ص 200.

3 ـ كمال الدين ، ص 650 ، باب 57 ، حديث 8.

4 ـ البحار ، ج 52 ، ص 290.



(24)

خدرها ، فتحرّض أباها وأخاها على الخروج لنصرة الامام المهدي ( عليه السلام ).

في حين هي أكبر تهديد وانذار للظالمين والمتكبرين ، حيث يأخذهم الفزع والخوف ، كما قد يستفاد من حديث الامام الباقر ( عليه السلام ) (1).


2 ـ خروج السفياني


وهو رجل سفّاك للدماء ، أمويّ النسب ، حقود على أهل البيت ( عليهم السلام ) ، اسمه عثمان بن عنبسة من وُلد أبي سفيان.

وهو وحش الوجه ، ضخم الهامة ، بوجهه أثر الجدري ، يخرج من الوادي اليابس بالشام ، كما في حديث أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) (2).

وله محنة كبرى وبلاءٌ عظيم وقتل ذريع وهتك للحرمات ، يفعلها هو وجيشه الذي يكون في الشام ويبعثه إلى العراق وإلى المدينة ، كما يستفاد من خطبة البيان (3).

ويكون خروجه في رجب ، ورايته حمراء ، كما في حديث البحار (4).

أما جيشه إلى العراق فيرجع الى الشام بعد إفساد كثير ، وأما جيشه إلى المدينة فيُخسف بهم في البيداء ، كما يأتي في العلامة الثالثة.

ونهاية أمره هو الخسران المبين ، كما تلاحظ مفصل بيانه في كتاب الامام المهدي (5) وحاصله :

توجه الامام المهدي ( عليه السلام ) بعد الكوفة إلى الشام وقضاءه على السفياني وأصحابه وجيشه الراجع الى الشام ، ويريح الله العباد من شرّه. 1 ـ الغيبة للشيخ النعماني ، ص 254 ، باب 14 ، حديث 13.


2 ـ كمال الدين ، ص 651 ، باب 57 ، حديث 188.

3 ـ الزام الناصب ، ج 2 ، ص 188.

4 ـ البحار ، ج 53 ، ص 248 ، حديث 131 وص 273 ، حديث 167.

5 ـ الامام المهدي من المهد إلى الظهور ، ص 433.



(25)

3 ـ خسف البيداء


البيداء اسم للمفازة التي لا شيء فيها ، وهي اسم أرض خاصة بين مكة والمدينة ، على ميل ـ أي 1860 متراً ـ من ذي الحليفة نحو مكة ، وكأنها مأخوذة من الإبادة أي الاهلاك.

وفي الحديث نُهي عن الصلاة فيها ، وعلل بأنها من الأماكن المغضوب عليها ، كما في مجمع البحرين (1).

ومن العلامات الحتميّة انخساف هذه الأرض بجيش السفياني وابتلاعها لهم ، فان السفياني يبعث جيشه إلى المدينة ـ كما عرفت ـ فيبغي فيها الظلم والفساد.

ويخرج الامام المهدي ( عليه السلام ) من المدينة إلى مكة على سُنّة موسى بن عمران ، فيبلغ قائد جيش السفياني ان الامام المهدي ( عليه السلام ) قد خرج إلى مكة ، فيبعث جيشه على أثره ليهدم الكعبة.

وينزل الجيش البيداء ، فتبيدهم الأرض ، كما يشير إليه حديث الامام الباقر ( عليه السلام ) (2).

وينجو من هذا الخسف رجلان ، أحدهما يبشر الامام المهدي بهلاك الظالمين ، والآخر ينذر السفياني بهلاك جيشه ، كما في حديث المفضل حيث جاء فيه :

ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى الْقَائِمِ ( عليه السلام ) رَجُلٌ وَجْهُهُ إِلَى قَفَاهُ وَ قَفَاهُ إِلَى صَدْرِهِ وَ يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي أَنَا بَشِيرٌ ، أَمَرَنِي مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ ، وَأُبَشِّرَكَ بِهَلاَكِ جَيْشِ السُّفْيَانِيِّ بِالْبَيْدَاءِ.

فَيَقُولُ لَهُ الْقَائِمُ ( عليه السلام ) بَيِّنْ قِصَّتَكَ وَ قِصَّةَ أَخِيكَ. 1 ـ مجمع البحرين ، ص 198.


2 ـ البحار ، ج 52 ، ص 238 ، باب 25 ، حديث 105.



(26)

فَيَقُولُ الرَّجُلُ : كُنْتُ وَأَخِي فِي جَيْشِ السُّفْيَانِيِّ وَخَرَّبْنَا الدُّنْيَا مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الزَّوْرَاءِ وَتَرَكْنَاهَا جَمَّاءَ وَ خَرَّبْنَا الْكُوفَةَ وَخَرَّبْنَا الْمَدِينَةَ ...

وَخَرَجْنَا مِنْهَا ، وَعَدَدُنَا ثَلاَثُمِائَةِ أَلْفِ رَجُل نُرِيدُ إِخْرَابَ الْبَيْتِ وَ قَتْلَ أَهْلِهِ ، فَلَمَّا صِرْنَا فِي الْبَيْدَاءِ عَرَّسْنَا فِيهَا ، فَصَاحَ بِنَا صَائِحٌ : يَا بَيْدَاءُ أَبِيدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

فَانْفَجَرَتِ الاَْرْضُ وَابْتَلَعَتْ كُلَّ الْجَيْشِ ، فَوَ اللهِ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الاَْرْضِ عِقَالُ نَاقَة فَمَا سِوَاهُ غَيْرِي وَ غَيْرُ أَخِي.

فَإِذَا نَحْنُ بِمَلَك قَدْ ضَرَبَ وُجُوهَنَا فَصَارَتْ إِلَى وَرَائِنَا كَمَا تَرَى فَقَالَ لاَِخِي :

وَيْلَكَ يَا نَذِيرُ ! امْضِ إِلَى الْمَلْعُونِ السُّفْيَانِيِّ بِدِمَشْقَ فَأَنْذِرْهُ بِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ مِنْ آلِ مُحَمَّد ( عليه السلام ) وَعَرِّفْهُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ جَيْشَهُ بِالْبَيْدَاءِ.

وَقَالَ لِي : يَا بَشِيرُ الْحَقْ ، بِالْمَهْدِيِّ بِمَكَّةَ وَبَشِّرْهُ بِهَلاَكِ الظَّالِمِينَ ، وَتُبْ عَلَى يَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ تَوْبَتَكَ.

فَيُمِرُّ الْقَائِمُ ( عليه السلام ) يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَيَرُدُّهُ سَوِيّاً كَمَا كَانَ ، وَ يُبَايِعُهُ وَ يَكُونُ مَعَهُ » (1).


4 ـ خروج اليماني


من العلائم المحتومة خروج اليماني الذي يدعو إلى الحق وإلى الطريق المستقيم ، كما صرّحت به الأحاديث مثل :

حديث الامام الباقر ( عليه السلام ) :

« وَ لَيْسَ فِي الرَّايَاتِ أَهْدَى مِنْ رَايَةِ الْيَمَانِيِّ ، هِيَ رَايَةُ هُدًى ، لاَِنَّهُ يَدْعُو إِلَى صَاحِبِكُمْ ، فَإِذَا خَرَجَ الْيَمَانِيُّ حَرَّمَ بَيْعَ السِّلاَحِ عَلَى [ النَّاسِ وَ ] كُلِّ مُسْلِم.

وَ إِذَا خَرَجَ الْيَمَانِيُّ فَانْهَضْ إِلَيْهِ فَإِنَّ رَايَتَهُ رَايَةُ هُدًى ، وَ لا يَحِلُّ لِمُسْلِم أَنْ 1 ـ البحار ، ج 53 ، ص 10 ، باب 25 ، حديث 1.




(27)

يَلْتَوِيَ عَلَيْهِ ، فَمَنْ فَعَلَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، لاَِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيق مُسْتَقِيم » (1).

واستفيد من بعض الأخبار الشريفة أن خروجه من صنعاء اليمن (2).

كما جاء في بعض الأحاديث انه من ذريّة زيد الشهيد ( عليه السلام ) (3).


5 ـ قتل النفس الزكيّة


وهو غلام من آل محمد ( عليهم السلام ) ، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكيّة ، يُقتل بين الركن والمقام بدون أيّ ذنب ، كما يستفاد من حديث الامام الباقر ( عليه السلام ) (4).

يرسله الامام المهدي ( عليه السلام ) إلى أهل مكة ـ قبل وصوله إليها ـ إتماماً للحجة واستنصاراً لمظلومية أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما يستفاد من حديث الامام الباقر ( عليه السلام ) جاء فيه :

يَقُولُ الْقَائِمُ ( عليه السلام ) لاَِصْحَابِهِ يَا قَوْمِ إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لا يُرِيدُونَنِي ، وَ لَكِنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْهِمْ لاَِحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِي أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ.

فَيَدْعُو رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ لَهُ امْضِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَقُلْ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ ! أَنَا رَسُولُ فُلاَن إِلَيْكُمْ وَ هُوَ يَقُولُ لَكُمْ : إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ الرَّحْمَةِ ، وَمَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَالْخِلاَفَةِ ، وَنَحْنُ ذُرِّيَّةُ مُحَمَّد وَسُلاَلَةُ النَّبِيِّينَ ، وَإِنَّا قَدْ ظُلِمْنَا وَاضْطُهِدْنَا وَقُهِرْنَا وَابْتُزَّ مِنَّا حَقُّنَا مُنْذُ قُبِضَ نَبِيُّنَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ، فَنَحْنُ نَسْتَنْصِرُكُمْ 1 ـ البحار ، ج 52 ، ص 232 ، باب 25 ، حديث 96.


2 ـ مهدى منتظر ، ص 175.

3 ـ بشارة الاسلام ، ص 175.

4 ـ البحار ، ج 52 ، ص 192 ، باب 25 ، حديث 24.



(28)

فَانْصُرُونَا.

فَإِذَا تَكَلَّمَ هَذَا الْفَتَى بِهَذَا الْكَلاَمِ ، أَتَوْا إِلَيْهِ فَذَبَحُوهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ ، وَ هِيَ النَّفْسُ الزَّكِيَّةُ.

فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الاِْمَامَ قَالَ لاَِصْحَابِهِ : أَلا أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لاَ يُرِيدُونَنَا. فَلاَ يَدَعُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَهْبِطُ مِنْ عَقَبَةِ طُوًى فِي ثَلاَثِمِائَة وَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً ـ عِدَّةِ أَهْلِ بَدْر ـ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيُصَلِّي فِيهِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ أَرْبَعَ رَكَعَات ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى الْحَجَرِ الاَْسْوَدِ ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللهَ وَ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَذْكُرُ النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وآله ) وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَم لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاس. » (1).

وهذه العلائم الخمسة من علامات الظهور المحتّمات ـ كما تقدم ـ تكون في سنة الظهور ويكون بعده القيام (2)

دراسة في علامات الظهور

بسم الله الرحمن الرحيم
دراسة في عـلامــات الظـهــور :( 31 ـ 45 )
(31)
وهو أمر قابل للتحمل في مقابل المفاسد الأكبر والأخطر ، التي سوف تنشأ عن ترك الأمر مستمرّاً عبر المقاطع التاريخية المختلفة ، من دون تحديده بعددٍ معيّن ، وبأشخاص بأعيانهم وأسمائهم.
وباستطاعتنا أن ندرك : أنّ الحصر باثني عشر إماماً كان ضروريّاً من خلال تطابقه مع الحاجة التي كانت قائمة على صعيد الواقع ، فإننا إذا درسنا بعمق طبيعة الفترة التي عاشها الأئمة في القرون الثلاثة التي تلت وفاة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، فإننا سوف ندرك : أن الأمة قد استطاعت في هذه الفترة أن تستوعب عملياً جميع مناحي التشريع ، ومختلف مراميه وأهدافه على مستوى الاتجاه العام ، وأن تعيش التجربة في شتى المجالات ، ومختلف الأبعاد ، حيث مرورها بالأدوار المختلفة ، وتشعّب مناحي الحياة التي تعيشها ، ثم تشبُثها بأسباب المدنية ، والحضارة ، واتصالها بغيرها من الأمم المختلفة ونموّها وتكاملها في المجالات الفكريّة ، والسياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية وغيرها ـ إن ذلك كلّه ، كان عاملاً مساعداً إلى درجة كبيرة على فهم أعمق للإسلام ولمفاهيمه السياسية ، والتربويّة والتشريعيّة ، وغيرها.

المهدية في موقعها الطليعي والطبيعي :
وبملاحظة جميع ما تقدم : وبعد وصول الأمة إلى درجة النضج ، وبلوغها مرحلة سن الرشد ، فكريّاً واجتماعياً و .. و .. ولو بواسطة تربية شريحة من أبنائها ، تكفي في تحقق إمكانية معرفة الناس للحق ، والحقيقة ، وعن طريق التفاعل مع هذه الشريحة ، والمراودة الفكرية لها.
وكذلك بعد أن يستشعر الطغيان الخطر الذي يتهدده من قِبَل ذلك الذي يعرف أنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فإن غيبة هذا الإمام ، واتخاذه موقعاً

(32)
آخر يمكنه فيه مواصلة الاتصال بالأمة ، والتعامل معها ، ولو من خلال سفرائه ووكلائه الخاصّين والعامّين ، وغير ذلك من وسائل تقع تحت اختياره ـ إن هذه الغيبة ـ تصبح هي الأمر الواقع الذي لابد من قبوله ، والتعامل معه بطريقة ليس فقط تجعل هذه الغيبة لا تؤثر سلباً على مسيرة الصلاح والإصلاح ، وإنما تكون عاملاً لاستمرار هذه المسيرة بقوة أشد ، وفاعلية وحيوية أكثر.
ولولا هذه الغيبة فإن فرص العمل ، والحفاظ على المنجزات التي هي ثمرة جهاد وجهود الأنبياء والمخلصين عبر التاريخ البشري ، لسوف تتقلص وتصل إلى درجة الصفر ، ليس فقط من حيث وضع العراقيل والعوائق في وجه العمل والعاملين. من حيث أن الحكام والمستبدين سيواجهونهم بكل الوسائل المتاحة لهم لتدمير كل شيء ومحاولة القضاء على الأطروحة بأسرها من خلال القضاء على محورها ومصدرها الأول ، وقلبها النابض ، المتجسد في الإمام والرمز.

علامات الظهور في خدمة الهدف :
وأخيراً .. فإن مما يساعد على حفظ الهدف الكبير ، وتحقيق النتائج المتوخاة وله دوره في الحفاظ على الروح والحيوية الفاعلة والمؤثرة ، هو إبلاغ الناس بعلامات الظهور ، حيث لابد أن ترهق المشكلات والمتاعب والمصاعب روح كثير من العاملين ، وتُمْنى بالإحباط عزائمهم وبالخور هِممهم ، وتصاب بالأذى مشاعرهم ، وتذبل شيئاً فشيئاً زهرة أملهم.
فرؤية بعض تلك العلامات يتحقق على صفحة الواقع ستشحذ العزائم ، وتستنهض الهمم ، وتثير المشاعر ، وتكون بمثابة ماء الحياة ، الذي يعيد لتلك الزهرة الذابلة نموها ، ويسبغ عليها رواءها ، ورونقها ، ويزيد في بهجتها.
وهذا ما حصل بالفعل عبر التاريخ .. ودراسة حياة الأمة الإسلامية عبر عصورها المختلفة خير شاهد على ما نقول ..

(33)
الفصل الثاني
علائم الظهور في تقييم عام

(34)
(35)
الظاهرة المألوفة :
إن من الأمور التي أصبحت مألوفة لنا : أن نجد كثيرين من الناس حين يواجهون الأزمات ، ويجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع الأحداث الكبيرة ، والخطيرة ـ نجدهم ـ يظهرون اهتماماً متزايداً بقضية الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) وبعلائم الظهور ، ويبحثون عن المزيد مما يمنحهم بصيص أمل ، ويلقي لهم بعض الضوء على ما سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد.
ومن هنا .. فإننا نجد عدداً من الكتاب والمؤلفين يحاولون الاستجابة لهذه الرغبة الظاهرة ، ويبذلون جهوداً كبيرة لترسيم مستقبل الأحداث وفق ما يتيسر لهم فهمه من النصوص الحاضرة لديهم. تلك النصوص التي جاء أكثرها غامضاً وغائماً ، اختلط غثها بسمينها ، وصحيحها بسقيمها ، وتعرض كثير منها للتحريف ، وزِيدَ فيه أو نُقِّصَ منه ، هذا عدا عن الكثير مما اختلقته يد الأطماع والأهواء ..
وستأتي الإشارة إلى بعض منه في ثنايا هذه البحث إن شاء الله ( تعالى ).

الانحراف الخطير :
وإننا وإن كنا نعتبر لجوء الناس إلى الدين وإلى النصوص الدينية ، وشعورهم بأنه هو الذي يملك الإجابات الصحيحة على كثير من تساؤلاتهم ، ولديه الحلول الجذرية لما يعانون منه ، من مشكلات ، وبلايا. إلا أن تعاملهم في خصوص الاخبارات الغيبية ، وبالأخص مع قضية الإمام المهدي ( عجل

(36)
الله فرجه ) ، قد جاء لينذر بانحراف خطير في المجال العقائدي ، فضلاً عن المجال العلمي ، وذلك حينما اقتصر على زاوية واحدة منه ، وهي تلك التي تشغل بال الناس ، وتستأثر باهتمامات الكثرة الكاثرة منهم ، ألا وهي علامات ظهوره ( عليه السلام ) وما رافق ذلك من إخبارات غيبية بما سيحدث في آخر الزمان. أو في طول الزمان الممتد من عصرهم صلوات الله وسلامه عليهم إلى حين ظهور الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه ..
وقد استبطن ذلك إهمال سائر مفردات ومجالات التعامل مع هذه القضية حتى أصبحت في عالم النسيان ، لا تكاد تخطر لأحد منهم على بال ، ولا تمّر له في خاطر ، رغم أنها هي الأهم والأكثر مساساً بحياتهم وبوجودهم ، وعلى رأسها التعامل معه كقائد للمسيرة ، ومهيمن على السلوك ، والموقف ، وموجّه لها ..
وهكذا .. لم يعد الإمام المهدي بالنسبة إلى الكثيرين منا هو ذلك الإمام الحاضر والناظر ، الذي يعيش من أجل قضية ، ويعمل ويضحّي ، ويدعونا إلى العمل والجهاد والتضحية من أجلها وفي سبيلها.
كما أننا لم نعد نحمل هُمومه كما يحمل هو هُمومنا ، ولا نشعر معه كما يشعر هو معنا ، ولا نرقب حركتنا معه كما يرقب هو حركتنا ، ولا نتوقع منه ، ولا نريد أن يتوقع منا أي عمل إيجابي تجاه القضية الكبرى التي يعيشها ، ويجاهد ويعاني في سبيلها وفي قضيتنا قضية الإسلام والإنسان ، وهي القضية الأكثر أهمية وحساسية بالنسبة لنا ، لأنها تمس وجودنا ومستقبلنا ومصيرنا في الصميم.
وطبيعي أن يترك هذا التعامل منا مع موضوع الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) آثاره السلبية ، والخطيرة على مجمل الحياة التي نعيشها لأنه يمثل انفصالاً حقيقياً عن القيادة ، وعن القائد من جهة ، ولأنه يضع المزيد من

(37)
العقبات والمصاعب في طريق القائد نفسه.
هذا .. بالإضافة إلى أنه يسلب منه عنصر المبادأة والمبادرة في معالجة الأحداث ، ومواجهة التحديات ، من جهة أخرى.

الانحراف يتضاعف :
وحتى فيما يختص بذلك الجانب الخاص ويرتبط بتلك الزاوية المحدودة التي آثرناها على كل ما هو سواها وهي الاخبارات المستقبلية وعلامات الظهور فإن تعاملنا معها قد جاء بصورة خاطئة بدرجة كبيرة ، وذلك حينما نجد أنفسنا في موقع المستسلم الخاضع لأمور يراها حتمية ولا مناص منها ، فهي القضاء المبرم ، والقدر اللازم. الأمر الذي من شأنه أن يرسخ فينا الشعور بالإحباط والانهزام ، والعجز ، ما دمنا نجد أنفسنا في مواجهة أمر خارج عن اختيارنا ، لا نملك دفعه ، ولا التأثير فيه.
ومن جهة ثانية : فإن ذلك يبعث فينا الشعور بالرضى ، وببراءة الذمة حيث لم نعد نتحمل أية مسؤولية ، ولا يطلب منا ، أو فقل ليس من الصحيح أن يطلب منا تسجيل أي موقف تجاه الأحداث ، والمستجدات مهما كانت.
وإذن .. فلا مكان بعد هذا للشعور بالذنب ، ولا بالتقصير ، إذا تركنا الفساد يستشري والظلم يسود ويهيمن. بل يكون التصدي لذلك حتى في أدنى درجاته ، وأسلم عواقبه هو الذنب وهو الجريمة حيث إنه يمثل اعتراضاً على إرادة الله سبحانه ، وهو من ثم إلقاء للنفس في التهلكة ، أو إهدار للطاقات بلا مبرر ظاهر ، ولا سبب وجيه.
وقد نشعر أن من مسؤولياتنا بث هذا النوع من الفهم وتعميمه حرصاً منا على مصلحة المسلمين ، وعملاً بالتكليف الشرعي الموهوم !!.
ولا نجد حرجاً بعد هذا في أن نتتبع الروايات لنستخلص منها بعض ما

(38)
يفيد في معرفة بعض ما سيحدث عن قريب ، ونوزع الاخبارات الغيبية والتنبؤات هنا وهناك ونبثها بين الناس ، لتثير بعضاً من فضولهم ، وتستأثر بشيء من عجبهم أو إعجابهم ..

الأئمة واقفون على سلبيات الأمر :
وفي اعتقادنا : أن أئمتنا ( صلوات الله عليهم ) كانوا يدركون : أن هذا النوع من الأخبار التي تصدر عنهم ، وإن كانت له إيجابياته الكبرى إلا أن له أيضاً سلبيات من نوع آخر ، لابد من التصدي لها ومعالجتها ، والحد من تأثيراتها قدر الامكان.
وذلك لأن هذا الموضوع جذاب ، يستهوي أصحاب الأهواء والطموحات ، خصوصاً أصحاب الدعوات الباطلة والزائفة منهم ، ممن يريدون تكريس دعواتهم تلك بالأساليب الملتوية وبالادعاءات المثيرة لفضول الناس العاديين ، وتستأثر باهتماماتهم. شريطة أن لا يجرؤ أحد على تكذيبها بصورة صريحة ولا حتى التشكيك فيها ، وذلك بسبب ما تثيره فيهم من شعور مبهم بالخوف والوجل تجاهها. فإن أصحاب الطموحات والدعوات الباطلة يدركون جيداً أن الإنسان العادي لا يملك إلا الاستسلام للغيب ، والانهزام أمام المجهول ، ومحاولة التحرز منه ومن أخطاره المحتملة ..
وهذا بالذات هو ما يضعف مقاومة الناس العاديين أمام تلك الدعوات مهما كانت غائمه ، وغير واضحة المعالم ، أو غير منسجمة مع أحكام العقل ، ومقتضيات الفطرة. كما أن ذلك من شأنه أن يبعدهم ويصرفهم عن التفكير في ماهيتها الحقيقية ، وفي صلاحها وفسادها ..
وبعد ما تقدم .. فإنه يصبح من الطبيعي أن يكثر الاختلاق والوضع في مجال الاخبارات الغيبية المستقبلية ، وفي علامات آخر الزمان ، التي يرصد

(39)
الناس فيها مستقبلهم ومصيرهم.
ولسوف تصاغ بقوالب خادعة ومطاطة وغامضة ليمكن الاستفادة منها في الموقع المناسب.

ما هو الحل ؟! :
وكل ما تقدم يحتّم ويُلزم بوضع حلّ لهذا المشكل ، تُتَلافى معه تلك السلبيات مع الحرص على أن تؤدي تلك الاخبارات الغيبية الصادرة عن المعصومين ( عليهم السلام ) دورها الذي كانت من أجله ..
وقد بادروا ( عليهم السلام ) إلى وضع حل يضمن ذلك بصورة تامة ودقيقة وقد جاء منسجماً تماماً مع الهدف الذي ترمي إليه الاخبارات الصادرة عنهم ( عليهم السلام ).
وقبل التعرض لهذا الحل نشير إلى حقيقة هامة ، إذا أدركناها فإنه يسهل علينا معرفة صوابية ذلك الحل الذي قدموه ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ).

الفرق بين ما وقع وبين ما سيقع :
وهذه الحقيقة هي : أن المعصومين ( عليهم الصلاة والسلام ) ما كانوا باخباراتهم تلك يريدون ربط الناس بما سيقع ، من أجل أن يستغرقوا فيه. أو ليكون ذلك عذراً أو مبرراً للوقوف على هامش الساحة في موقع المتفرج.
إن لم يصبح عبئاً يثقل كاهل العمل المخلص والجاد ، ويثقل خطب العاملين كذلك.
هذا كله .. عدا عما يمارسه الكثيرون ممن لديهم هذا الفهم من دور سلبي في مجال التثبيط ، وإيجاد حالة من الفشل والإحباط. وقد يتعدى ذلك إلى إيجاد الانقسامات والاختلافات التي تستهلك الطاقات ، وتستنفد الهمم

(40)
والعزائم ، ليصبح العدو ـ من ثم ـ أقدر على توجيه الضربات الساحقة ، والماحقة ، لكل جهد مخلص ، أساسي وبنّاء.
نعم .. إنهم ( عليهم السلام ) ما كانوا يريدون ربط الناس بما سيقع ، وإنما بما وقع. أي أنهم يريدون للناس أن يستفيدوا مما وقع ومضى لينعش بهم الأمل ، ويشحذ الهمم والعزائم ليمنحهم اليقين ، ويهب لهم حالة السكون والركون إلى الحق ، والارتباط العاطفي والشعوري بقائد المسيرة ورائدها ، بعد الانتهاء من مرحلة الارتكاز العقائدي المستند إلى القناعات الناشئة عن وسائل الإثبات للأصول والمنطلقات الأوليّة في مسائل الإمامة على صعيد مفاهيمها الأساسية من جهة ، وعلى صعيد التجسيد الحي في المثل الحي للإمامة الحاضرة ، من جهة أخرى.
ولا شك في أن وجود هذا الارتباط العاطفي والشعوري ، وذلك السكون والركون يصبح ضرورة ملحة ، حينما يبدو أن الناس قد بدأوا يتعاملون مع قضية الإمام المهدي كمرتكز عقائدي ، لا يملك من الروافد الشعورية والعاطفيّة إلا القليل القليل ، الذي لا أثر له في موقع الحركة ، وتسجيل الموقف.
فالمطلوب إذن ، هو أن يسهم ما وقع في بعث الأمل ورفع درجة الإحساس ، والشعور والارتباط بالقائد وبالقيادة إلى مستوى أعلى وأكثر حيوية وفاعلية فيه الكثير من الجدّية ، والمزيد من العطاء. ويعمق في الإنسان المسلم المزيد من الشعور بالمسؤولية ، والإحساس بالرقابة ، ليعيش في رحاب الإمامة بكل ما فيها من معان ، وكل ما تمثله من عطاء ، في مجال الحركة والعمل والسلوك والموقف ، وفي جميع مفردات حياته التي يعيشها.

(41)
الحل الأفضل :
وبعد هذا التوضيح الذي ذكرناه نقول :
أن هذا الحل يتلخص في إعطاء ضابطة عامة للأحاديث التي تتحدث عن المستقبل ، وعن علامات الظهور للإمام الحجة ( عجل الله فرجه ) ، تشير إلى أنها جميعاً حتى ما صح سنده منها إنما تتحدث عن أمور ليست بأجمعها حتمية الوقوع ، فمن الجائز أن لا يقع بعض منها ، ولكن هذا البعض لا يمكن لنا تحديده بالدقة.
والسبب في ذلك هو : أن الإمام ( عليه السلام ) أو النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، إنما يتحدث ويخبر عن تحقق المقتضي لوجود ظاهرة ، أو حدث مّا وفق ما هو مخزون في علم الغيب. بحيث لو سارت الأحداث على طبيعتها لتحقق ذلك المقتضي.
ولكنه ( عليه السلام ) لم يخبر عن شرائط تأثير تلك المقتضيات هل سوف توجد أم لا ؟ كما أنه لم يخبر عن الموانع التي قد تعرض للمقتضي ، وتمنعه من التأثير.
وإذن .. فإذا تحقق شيء مما أخبر عنه ( عليه السلام ) ، فإن ذلك يكشف عن تحقق شرائطه ، وفقد موانعه ، وتمامية عناصر علته ، وإذا لم يتحقق ، فإن ذلك يكشف عن عروض مانع ، أو فقد شرط تأثير ذلك المقتضي.
فهو ( عليه السلام ) إذن إنما يخبر عن أمور قد تختلف في المآل والنتيجة ، ولكنها متحدة ، وذات طبيعة واحدة ، وفي نسق واحد من حيث تحقق مقتضياتها.
وهذا بالذات هو ما تعنيه الروايات التي نصت على حتمية بعض علامات الظهور ، وأوضحت أن سائر ما يُذكَر في الروايات مما عدا ذلك قد

(42)
لا يقع بعض منه إما لاحتمال أن لا يوجد شرط تأثير مقتضيه ، أو لوجود المانع من التأثير.
وذلك يعني : أن يصبح ضعيف السند ، وصحيحه من تلك الروايات بمنزلةٍ واحدة ، من حيث عدم إمكانية التنبوء بحتمية حصوله في المستقبل ، فإن كل ما أخبرت عنه تلك الروايات يصبح في معرض أن لا يتحقق ولا يكون. وإن كان احتمال الحصول في الروايات الصحيحة أقوى منه في غيرها.
فلا مجال بعد لرسم خريطة للأحداث المستقبلية ، ولا يصح صرف الجهد في التعرف على ما سيحدث ، ومحاولات من هذا القبيل لن يكون لها الأثر المطلوب في ترغيب الناس ، أو ترهيبهم ، ما دام أنه لم يعد ثمة مجال للاستفادة من الأخبار صحيحها وسقيمها إلا بعد وقوع الحدث. فيأتي حينئذ دور المقارنة بين ما هو مذكور في الرواية ، وبين ما وقع فعلاً ويكون الإيمان به ، أو عدمه على هذا الأساس.

العلامات التي هي من المحتوم :
ولأجل تتميم البحث ، فإننا نذكر فيما يلي طائفة من الروايات التي بيّنت العلامات التي هي من المحتوم.
وسوف يلاحظ القارئ : إذا راجع ـ كتب الرجال ـ أن من بين هذه الروايات ما هو معتبر من حيث السند ، مع عدم وجود ما يقتضي التشكيك في متنه.
وقد جاء ما اخترناه على قسمين (1) : 1 ـ اعتمادنا في العلامات المذكورة على مصادر محدودة ولم نحاول الاستقصاء لها في سائر المصادر مع أنها من الكثيرة بمكان.
(43)
أحدهما :
قد قسّم العلامات إلى قسمين : محتوم وغير محتوم ، مع ذكره لبعض الخصوصيات.
الثاني :
اكتفى بتعداد العلامات التي هي من المحتوم كما سيظهر من الصفحات التالية :

ألف : الطائفة الأولى من الروايات :
ونذكر من القسم الذي فَصلَ بين المحتوم وغيره وذكر بعض الخصوصيات لهما.
الرويات التالية :
1 ـ أحمد بن محمد بن سعيد ، عن محمد بن سالم بن عبد الرحمن الأزدي ، عن عثمان بن سعيد الطويل ، عن أحمد بن سليم ، عن موسى بن بكر ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إن من الأمور أموراً موقوفة ، وأموراً محتومة ، وأن السفياني من المحتوم الذي لابد منه » (1).
2 ـ أحمد بن محمد بن سعيد ، عن القاسم بن الحسن بن حازم من كتابه عن عيسى بن هشام ، عن محمد بن بشر الأحول ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عيسى بن أعين ، عن معلى بن خنيس ، قال :
« سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : من الأمر محتوم ، ومنه ما ليس محتوم ومن المحتوم خروج السفياني في رجب » (2). 1 ـ الغيبة للنعماني ص 301 وراجع ص 282.
2 ـ الغيبة للنعماني ص 300.
(44)
3 ـ أحمد بن محمد بن سعيد ، عن علي بن الحسن ، عن محمد بن خالد الأصم ، عن عبد الله بن بكير ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) في قوله تعالى : [ « ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسمّىً عِندَهُ » (1) فقال :
« إنهما أجلان : أجل محتوم ، وأجل موقوف.
فقال له حمران : ما المحتوم ؟
قال : الذي لله فيه مشيئة.
قال حمران : إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف.
فقال أبو جعفر : لا والله ، إنه لمن المحتوم » (2).
4 ـ محمد بن همام ، عن محمد بن أحمد بن عبد الله الخالنجي ، عن داود بن القاسم :
« كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر : هل يبدو لله في المحتوم ؟.
قال : نعم.
قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم.
قال : إن القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد » (3). 1 ـ الآية 2 من سورة الأنعام.
2 ـ الغيبة للنعماني ص 301.
3 ـ الغيبة للنعماني ص 303 والبحار ج 52 ص 250/251.
(45)
المجلسي : والبداء في المحتوم :
قال المجلسي ( رحمه الله ) : يُحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم : البداء في خصوصياته ، لا في أصل وجوده ، كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس ونحو ذلك (1).
ولكننا لا نوافق العلامة المجلسي ( رحمه الله ) على جوابه هذا ، فإن سياق الرواية التي تتحدث عن حتمية نفس الحدث ، وعروض البداء فيه نفسه ، يأبى عن صرف البداء إلى الخصوصيات. ولا أقل من أنه خلاف الظاهر .. فلابد من البحث عن إجابة أخرى تكون أوضح ، وأتم.
ونحن نجمل رأينا في هذه الرواية فيما يلي :

رأينا : البداء في المحتوم !! :
إن أساس الإشكال الذي أثار تعجب السائل ، وحاول العلامة المجلسي الإجابة عليه هو :
أن البداء في المحتوم ينافي حتميته ، لأن معنى البداء في شيء هو العدول عنه ، فحتمي الوجود يصبح ـ بواسطة البداء ـ غير حتمي ، وكذلك العكس.
وعلى هذا .. فلا يبقى ثمة فرق بين المحتوم وغيره ، فلا معنى لهذا التقسيم.
ولعل الجواب الأتم والأوفى هو :
أن هناك أمور ثلاثة يمكن استفادتها من الروايات :
الأول :
ما قدمناه ، من أن الإخبار يكون عن تحقّق المقتضيات للأحداث 1 ـ البحار ج 52 ص 251.
 

المهدي عليه السلام يهدم نظرية نهاية التاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم
في الفترة الممتدة من 18-8-2007 وحتى السادس والعشرين من نفس الشهر عقد في طهران أكثر من مؤتمر ثقافي تناول التراث العلمي والأخلاقي لأئمة أهل البيت عليهم السلام وقراءتها من خلال أدوات الفكر المعاصر.
المؤتمر الأول كان عن الإمام السجاد (علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) والمؤتمر الثاني الذي يعقد الآن بصورة سنوية كان عن المهدي المنتظر, الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت.
تميز المؤتمر الثاني بتنوع المشاركة فيه سواء من الناحية الدينية (مسلمين ومسيحيين) أو المذهبية (سنة وشيعة) إذ أن الاعتقاد بالمخلص الموعود يعد قاسما مشتركا بين الأديان والعقائد السماوية بل وحتى غير السماوية منها.
وبينما يركز الإعلام المسيس حتى الثمالة جل اهتمامه على الصراع السياسي الدائر واحتمالات المواجهة العسكرية بين إيران والغرب فإنه لا يبدو مكترثا بهذا النوع من التطورات وكأن الثقافة تعد شأنا ثانويا من شئون الكون!!.
الأمر إذا يتعلق بحشد ثقافي متعدد الأطياف ومن شتى بقاع العالم يلتقي في العاصمة الإيرانية مع نظرائهم من الباحثين والمفكرين الإيرانيين حيث يدلي كل منهم بدلوه فيفيد ويستفيد وتتلاقح الأفكار وهو ما يجري في كثير من بلدان العالم ومن ثم فلا مجال لتلك القناعة السائدة لدى البعض والتي ترى أن إيران تسعى لتصدير ثورتها وفرض رؤيتها على دول المنطقة وربما بلغ الغلو والتطرف بهؤلاء للقول بأنها تسعى لفرض رؤيتها على العالم بأسره!!.
أثناء زيارتي لآية الله الشيخ جعفر السبحاني في مدينة قم المقدسة وهو عالم ومفكر واسع الإطلاع والثقافة ومتابع جيد للثقافة العربية دار نقاش حول القطيعة التي طالت بين قطبي الثقافة الإسلامية, مصر قطب الثقافة العربية الإسلامية وإيران قطب الثقافة الفارسية الإسلامية وكيف أن هذه القطيعة أدت إلى فقدان مصر لمكانتها الثقافية التي احتلتها سابقا في إيران حيث مضى ذلك الوقت الذي كان فيه الكتاب يطبع في القاهرة وبعد شهر أو شهرين يجري ترجمته إلى الفارسية وطبعه في إيران (وليس العكس!) كما أعرب الشيخ عن خشيته أن ينسى الإيرانيون مصر وثقافتها بصورة دائمة!!.
الثابت أن الثقافة الإسلامية خاصة تلك الناطقة بالعربية أقدر على التأثير من تلك التي تفتقد هذا اللسان فالعربية هي لغة القرآن وهي اللغة التي تحدث بها الرسول الأكرم وأئمة أهل البيت ومن ثم فهي اللسان الجامع للأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها.
الأمر لا يتعلق بنزعة قومية بل بامتلاك المثقف العربي المسلم لميزة تنافسية يحتاجها المسلم غير العربي.
من هنا يبدو العجب واضحا من أولئك الذين يعلنون بصورة متواصلة عن خشيتهم من (الغزو الثقافي) الإيراني للعالم العربي أو ما يسمى بتصدير الثورة رغم أن الغزو يحدث من الأقوى للأضعف وكأنهم يعلنون بذلك موت الثقافة العربية وعجزها عن منافسة الثقافة الإيرانية!!.
المؤسسات الثقافية
تعقد هذه المؤتمرات بدعوة من المؤسسات الثقافية الإيرانية وما أكثرها وكلها مؤسسات غير حكومية تعتمد في تمويلها على المرجعيات الدينية ولكنها تحظى بدعم وتأييد المؤسسة السياسية ولكنها ليست خاضعة لها.
كما أن هذه المؤسسات تقوم بدورها في نشر الثقافة الإسلامية في شتى أنحاء العالم وتصدر العديد من المجلات المتخصصة باللغة العربية ومن بينها مجلة (آفاق الحضارة الإسلامية) التي أصدرت عددا خاصا عن شخصية الرسول الأكرم كان لنا مساهمة فيه حيث حظي مقال كاتب هذه السطور (حقيقة النبوة) ومقال صديقنا الأستاذ علي أبو الخير والذين كانا ضمن عديد المقالات التي كتبها مفكرون مسلمون من شتى بلدان العالم الإسلامي بالمرتبة الأولى مناصفة.
من ناحية أخرى فإن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يبدي اهتماما واضحا بهذه المؤتمرات ويحرص على حضورها حيث ألقى كلمة في افتتاح مؤتمر النظرية المهدوية عبر فيها عن اعتقاده أن نظرية نهاية التاريخ تعبر عن رؤية الغرب لذاته في حين أن آفاق التطور الحضاري ما زالت مفتوحة وممتدة أمام العالم الإسلامي الذي يتعين عليه أن يعيد إحياء واستلهام قيم الإسلام وتقديمها للعالم وهي القيم التي يمكن لها أن تنهض بالعالم بأسره خاصة إذا قام المسلمون بإحيائها وتحرروا من القوالب الجامدة التي وضعوا أنفسهم فيها.
كما أكد الرئيس الإيراني وغيره من المتحدثين أن التمهيد لظهور الإمام المهدي يكون من خلال حكومة الصالحين الذين يراقبون الله تبارك وتعالى في أعمالهم ويحرصون على إقامة الدولة العادلة القوية التي ترعى مصالح الضعفاء وتحول بين المستكبرين وبين مواصلة ظلمهم وتجبرهم.
إنها إذا رؤية أخلاقية ثقافية ذات بعد سياسي وهي أبعد ما تكون عن الترويج للعنف والتآمر على عكس الصورة التي يشيعها الإعلام الموجه والذي يلتقط بعض الكلمات والحروف من هنا وهناك ويسعى لترويج نظرية الخطر الإيراني الكاسح الذي يهدد باجتياح دول الجوار وجوار الجوار وما بعد دول الجوار!!.
خلال تلك الفترة لم نسمع أحدا من المتحدثين من إيران أو غير إيران يهدد بشن حرب أو حتى يتحدث عن حرب أمريكية محتملة على إيران كما أننا لم نر ما يشير للاستعداد لمثل هذه الحرب بل لاحظنا حركة إعمار ضخمة ومزيدا من الجسور التي يجري إنشاؤها والتي لم يكن لها وجود قبل عام واحد من الآن أي أثناء زيارتي السابقة عام 2006.
أزمة البنزين!!
قبل فترة أثارت وسائل الإعلام مسألة تقنين البنزين وكأنها جاءت استعدادا للهجوم الأمريكي الوشيك على إيران حيث سمعنا من الناس أن السبب في ذلك يرجع إلى تدني أسعار البنزين في إيران التي يوجد بها أكثر من سبعة ملايين سيارة وكما هو معلوم فإن الإيرانيين يعشقون السفر والترحال.
من ناحية أخرى فإن انخفاض سعر البنزين شجع على تهريبه إلى الدول المجاورة وأدى إلى ارتفاع نسبة التلوث وكان الخيار بين تقنين الاستهلاك أو رفع أسعاره مما يؤدي إلى مزيد من التضخم الذي ستحمل تبعاته في النهاية الطبقات الفقيرة.
يقول الإيرانيون أن القرار كان موضوعا على مكاتب الرؤساء السابقين الذين أحجموا عن اتخاذه خوفا من تدني شعبيتهم بين الجماهير ورغبة في إعادة انتخابهم حتى جاء الرئيس الحالي الذي لا يضع هذه الاعتبارات في حسابه وأصدر هذا القرار الذي سيوفر على خزانة الدولة أكثر من خمسة مليار دولار في السنة الواحدة يمكن إنفاقها في مجالات التنمية المختلفة كما أنه ليس قرارا نهائيا بل سيجري إعادة تقييمه خلال الأشهر القادمة.
والعجيب أن الحركة في شوارع إيران النظيفة تسير سيرها والفارق بين العام الحالي وما سبقه هو أن ازدحام الشوارع أصبح أقل من ذي قبل.
أخيرا نقول أن الثقافة والفكر هي أهم منابع قوة الأمم والشعوب وأن تنافس الثقافات واشتباكها عبر الحوار تمثل ضرورة بقاء وثراء لهذه الثقافات.
كما أن سياسة وضع السدود بين الأمم والحيلولة دون تمازح الثقافات عبر التواصل والحوار والتبادل الثقافي والحديث الفارغ عن الخطر الإيراني وقبله عن الغزو الثقافي الغربي يشير إلى حالة من الضعف أكثر مما يشير إلى القوة والمنعة كما أننا نعتقد أن الثقافة الإسلامية في ثوبها العربي كانت ولا زالت قادرة على أن تؤثر أكثر مما تتأثر وتقود ولا تقاد.

علل الغيبة

بسم الله الرحمن الرحيم
علة الغيبة بجميع حيثياتها والاحاطة التامة بها غير ممكنة بل مستحيلة ولا يعلمها إلا الله تعالى والمعصومون عليهم السلام.
ورد عن الامام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف : وأما علة ما وقع من الغيبة فان الله عزّ وجلّ قال: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم
ولكن بالتتبع والاستمارة باحاديث المعصومين عليهم السلام ذكر للغيبة علل تقريبة أحصاها علمائنا الاعلام ومنهم الشيخ الصدوق أعلى الله تعالى مقامه الشريف . نذكر منها:

أولا : حتى لا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج .
عن محمد بن موسى بن المتوكل (رض) حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سعيد بن غزوان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (ع) قال : صاحب هذا الامر تعمى ولادته على هذا الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج .

ثانيا : حتى تجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم .
حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود وحيدر بن محمد السمرقدني جميعا قالا : حدثنا محمد بن مسعود قال : حدثنا جبرائيل بن أحمد ، عن موسى بن جعفر البغدادي قال : حدثني الحسن بن محمد الصيرفي ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله (ع) قال : إن للقائم منا غيبة يطول أمدها ، فقلت له : يابن رسول الله ولم ذلك ؟ قال ك لان عزوجل أبى إلا أن تجري فيه سنن الانياء (ع) في غيباتهم ، وإنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى : ((لتركبنّ طبقا عن طبق)) أي سنن من كان قبلكم.

ثالثا : الخوف على نفسه الشريفة.
وبالاسناد المتقدم عن محمد بن مسعود قال : حدثني محمد بن ابراهيم الوراق قال : حدثنا حمدان بن أحمد القلانسي ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول : إن للقائم غيبة قبل أن يقوم ، قال : قلت : ولم ؟ قال : يخاف – وأومأ بيده إلى بطنه ـ قال زرارة : يعني القتل .

رابعا : الغيبة سر من أسرار الله لم يؤذن الله لأحد في كشفه.
حدثنا عبدالواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه قال : حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدثنا حمدان بن سليمان النيسابوري قال: حدثني أحمد بن عبداله بن جعفر المدائني ، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد (ع) يقول : إن لصاحب الامر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت : ولم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ؟ قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد طهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (ع) من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسى (ع) إلى وقت افتراقهما .

يا ابن الفضل : إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى وسر من سرالله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنه عزوجل حكيم صدّقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف.
تلاحظ ان الامام عليه السلام في هذا الحديث لم يكشف ولم يصرح بما هو المقصود والمتوخى من الغيبة واختفاء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الأنظار فبقي هذا سراً إلى يومنا هذا، الا أنّ الأئمة عليهم السلام أشاروا إلى بعض حكم الغيبة، منها :
ـ ان الأئمة المعصومين هم خلف للأنبياء وأوصياؤهم والقائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم، فكل ما كان جائزاً في الأنبياء فهو واجب لازم في الأئمة عليهم السلام حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

وان الله تعالى اجرى بعض سننه على أنبيائه، ومن جملة هذه السنن، مسألة الغيبة، فكانوا عليهم وعلى نبينا صلوات الله وسلامه عليه يغيبون مدداً مديدة تبعاً للمصلحة والحكمة الالهية، وها هي الغيبة في أمة الإسلام وصاحبها الأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
قال سديد الصيرفي: «قال الصادق عليه السلام ان للقائم عليه السلام من غيبة يطول أمدها فقلت: ولم ذلك يابن رسول الله؟
قال: ان الله عز وجل آلا الا أن يجري منه سنن الأنبياء في غيباتهم، وأنه لابدّ له ـ ياسديد ـ من استيفاء مدد غيباتهم. قال الله تعالى: «لتركبن طبقاً عن طبق». أي سنناً على سنن من كان قبلكم(بحار الأنوار 52 / 90).
ومنها: حتى لا يكون في عنقه بيعة لأحد.

وكذلك من الحكم الواردة في روايات أهل البيت عليهم السلام أن لا تكون في عنقه بيعة لأحد، فهو لا يخضع لأي سلطة أياً كان نوعها وهذا هو شأنه عجل الله تعالى فرجه الشريف، فعليه لابدّ له من بقائه غائباً حتى يأذن الله تعالى له بالقيام.
روى علي بن حسن الفضال، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام قال: كأني بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي يطلبون المدعى فلا يجدونه.
قلت له: ولم ذلك يابن رسول الله؟
قال: لأن إمامهم يغيب عنهم.
فقلت: ولِمَ.
قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة.
ومنها: اختبار الشيعة وتمييزهم.
قال الامام الصادق عليه السلام: (والله لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا، ثم يذهب من كل عشرة شيء، ولا يبقى منكم إلا الأندر، ثم تلا هذه الآية:
(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).
فاختبار الشيعة وامتحانهم في غيبة امامهم لتمييز الخلص منهم لهو من أصعب الاختبارات ومن أهل الحكم في غيبة صاحب الزمان الامام المهدي عليه السلام.
وروي عن جابر الجعفي، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: متى يكون فرجكم؟
فقال: هيهات هيهات لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا، ثم تغربلوا يقولها ثلاثاً حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو»
وبهذا التعبير ومثله جاءت روايات أهل البيت تترا لتعكس معنى التمحيص والاختبار، من قبيل قولهم عليهم السلام:
الا بعد إياس، أو حتى يشقى من شقي، أو إنما هي محنة من الله، أو حتى يذهب ثلثا الناس أو كمخيض الكحل في العين، أو لتكسرن كسر الزجاج أو لتكسره كسر الفخار.
فعن الطوسي بسنده عن الربيع بن محمد المسلمي قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام والله لتكسرن كسر الزجاج وأن للزجاج يعاد فيعود كما كان، والله لتكسرن كسر الفخار وأن الفخار لا يعود كما كان والله لتميزن والله لتمحصن والله لتغربلن كما يغربل الزوان من القمح.
والله لتميزن والله لتمحصن والله لتغربلن كما يغربل الزوان من القمح.
وعنه أيضاً عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم عنها أحد.
يابني، لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، انما هي محنة من الله امتحن الله تعالى بها خلقه.
ومنها: الخوف من القتل.
فقد وردت هذه الحكمة وهي الخوف من القتل في طيات أحاديث أهل البيت عليهم السلام فعن زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: «ان للغلام غيبة قبل ظهوره.
قلت: لمَ.
قال: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه.
قال زرارة: يعني القتل».
لا يقال بان الأمام المهدي وهو أحد الأئمة المعصومين عليهم السلام مع أنهم عاشوا بين الناس وعرضوا أنفسهم للقتل!!
لأن الامام المهدي ليس حاله كحال الأئمة المعصومين عليهم السلام فانهم لو قتل أحدهم كان أحد يقوم مقامه، أما لو قتل الأمام المهدي فمن الذي يقوم مقامه ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً فالخوف من القتل يستوجب الغيبة على الأمام عليه السلام مع العلم بأن الخوف المصرح به في الرواياتع ليس هو الخوف المتعارف عندنا كخيفتنا على أنفسنا من القتل، لأن الامام عليه السلام عنده القتل والشهادة هي أحدى الكرامات التي يفتخر بها ويتوق اليها:
لكنه اذا قتل عليه السلام قبل أن يظهر، فان الأرض ستخلو من الحجة وهذا نقض للغرض وهو غير ممكن.
ومنها: تأديب الناس
فقد جرت سنته تعالى على مجازات الناس على أفعالهم من الكفر بالنعم الإلهية، ومن بين الأساليب المتبعة لتأديب الناس سلب النعمة منهم لالفاتهم إلى ما هم عليه وتنبيهم من غفلتهم ليعودوا إلى رشدهم فيتضرعوا ويبتهلوا إلى الله تعالى كي يعيد عليهم النعم التي سلبها منهم، ومن أهم النعم وأعظمها هي نعمة وجود امام معصوم بين ظهرانيهم، تلك النعمة التي لم يعترفوا بمنزلتها، فحاربوا الأئمة المعصومين عليهم السلام وزجوهم بالسجون وقتلوهم واحداً تلو الآخر.
روى الشيخ الصدوق في علله عن مروان الأنباري قال: «خرج من أبي جعفر عليه السلام: إن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم».
ومنها: حتى يخرج المؤمنون من صلب الكافرين. فالأمام المهدي لا يظهر حتى تفرغ أصلاب الكافرين من المؤمنين حيث أنه عليه السلام لا يهادن أحد ولا يساوم مع أعدائه، بل يقضي عليهم إن لم يدخلوا في السلم كافة، فرأفته بالمؤمنين اقتضت الارادة الالهية أن تطول غيبة الامام حتى يأتي جميع المؤمنين ممن لا بد أن يولدوا.
روى القمي عن أحمد بن علي، قال: (حدثنا الحسين بن عبد الله السعدي، قال: حدثنا الحسن بن موسى الخشاب، عن عبدالله بن الحسين، عن بعض أصحابه عن فلان الكرخي، قال رجل لأبي عبدالله عليه السلام: ألم يكن علي قوياً في بدنه، قوياً في أمر الله؟
قال له أبو عبدالله عليه السلام: بلى.
قال له: فما منعه أن يدفع أو يمتنع؟
قال: قد سألت فافهم الجواب، منع علياً من ذلك آية من كتاب الله.
فقال: وأي آية؟
فقرأ: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً)(الفتح:25).
انه كان لله ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع، فلما خرج ظهر على من ظهر وقتله وكذلك قائمنا أهل البيت، لم يظهر أبداً حتى تخرج ودائع الله، فاذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله (تفسير القمي: 2 / 316، علل الشرائع:
147).

حديث من مات و هو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ضمن كتاب الغيبة

بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الأولى في الغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و صلاته على عباده الذين اصطفى و بعد سأل سائل فقال أخبروني عما
روي عن النبي ص أنه قال من مات و هو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية
هل هو ثابت صحيح أم هو معتل سقيم. الجواب و بالله التوفيق و الثقة قيل له بل هو خبر صحيح يشهد له إجماع أهل الآثار و يقوي معناه صريح القرآن حيث يقول جل اسمه يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا و قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً و آي كثيرة من القرآن. فإن قال فإذا كان الخبر صحيحا كيف يصح قولكم في غيبة إمام هذا الزمان و تغيبه و استتاره على الكل الوصول إليه و عدم علمهم بمكانه. قيل له لا مضادة بين المعرفة بالإمام و بين جميع ما ذكرت من أحواله لأن العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح إدراكه بشي‏ء من الحواس فضلا عمن يجوز إدراكه و إحاطة العلم بما لا مكان له فضلا عمن يخفى مكانه و الظفر بمعرفة المعدوم و الماضي و المنتظر فضلا عن المستخفي المستتر. و قد بشر الله تعالى الأنبياء المتقدمين بنبينا محمد ص قبل وجوده في العالم فقال سبحانه وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يعني رسول الله ص قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي يعني عهدي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ قال جل اسمه النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ فكان نبينا ع مكتوبا مذكورا في كتب الله الأولى و قد أوجب على أمم الماضية معرفته و الإقرار به و انتظاره و هو ع وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود و نحن اليوم عارفون بالقيامة و البعث و الحساب و هو معدوم غير موجود و قد عرفنا آدم و نوحا و إبراهيم و موسى و عيسى ع و لم نشاهدهم و لا شاهدنا من أخبر عن مشاهدتهم و نعرف جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت ع و لسنا نعرف لهم شخصا و لا نعرف لهم مكانا فقد فرض الله علينا معرفتهم و الإقرار بهم و إن كنا لا نجد إلى الوصول إليهم سبيلا و نعلم أن فرض المعرفة لشخص في نفسه من المصالح مما لا يتعلق لوجود مشاهدة المعروف و لا يعرف مستقره و لا الوصول إليه في مكانه و هذا بين لمن تدبره. فإن قال فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذكرنا. قيل له نفس معرفتنا بوجوده و إمامته و عصمته و كماله نفع لنا في اكتساب الثواب و انتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب و نؤدي بها فرضا ألزمناه ربنا المالك للرقاب كما كانت المعرفة بمن عددناه من الأنبياء و الملائكة من أجل النفع لنا في مصالحنا و اكتسابنا المثوبة في أجلنا و إن لم يصح المعرفة لهم على كل حال و كما أن معرفة الأمم الماضية نبينا قبل وجوده مع أنها كانت من أوكد فرائضهم لأجل منافعهم و معرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها و هو أعظم من أن يدرك بشي‏ء من الحواس. فإن قال إذا كان الإمام عندكم غائبا و مكانه مجهولا فكيف يصنع المسترشد و على ما ذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكما و إلى من يرجع المتنازعون لا سيما و الإمام إنما نصب لما وصفناه. قيل له هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم و لا وصلة بينه و بينه و قد مضى السؤال الأول في معنى الخبر و فرض المعرفة و جوابه على انتظام و نحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعنى التمام المنقول و بالله التوفيق فنقول إنما الإمام نصب لأشياء كثيرة أحدها الفصل بين المختلفين. الثاني بيان الحكم للمسترشدين. و لم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا و الدين غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك و الاختيار و ليس يجب عليه شي‏ء لا يستطيعه و لا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار و لم يؤت الإمام في التقية من قبل الله عز و جل و لا من جهة نفسه و أوليائه المؤمنين و إنما أتى ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه و دفعوا نسبه و أنكروا حقه و حملوا الجمهور على عداوته و مناصبه القائلين بإمامته و كانت البلية فيما يضيع من الأحكام و يتعطل من الحدود و يفوت من الصلاح متعلقة بالظالمين و إمام الأنام بري‏ء منها و جميع المؤمنين فأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه أن يرجع في ذلك إلى العلماء من شيعة الإمام و ليعلم ذلك من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدى المتقدمين و إن عدم ذلك و العياذ بالله و لم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم أنه على حكم العقل  
لأنه لو أراد الله أن يتعبد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك و لو فعله لسهل السبيل إليه. و كذلك القول في المتنازعين يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه إلى الكتاب و السنة عن رسول الله ص من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين و يستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة و فقهائهم و إن كان و العياذ بالله لم يوجد فيما اختلفوا فيه نص على حكم سمعي فليعلم أن ذلك مما كان في العقول و مفهوم أحكام العقول مثل أن من غصب إنسانا شيئا فعليه رده بعينه إن كانت عينه قائمة فإن لم تكن عينه قائمة كان عليه تعويضه منه بمثله و إن لم يوجد له مثل كان أن يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته فإن لم يستطع ذلك أو لم يفعله مختارا كان في ذمته إلى يوم القيامة. و إن كان جان جنى على غيره جناية لا يمكن تلافيها كانت في ذمته و كان المجني عليه ممتحنا بالصبر إلى أن ينصفه الله تعالى يوم الحساب فإن كان الحادث مما لا يعلم بالسمع إباحته من حظره فإنه على الإباحة إلا أن يقوم دليل سمعي على حظره. و هذا الذي وصفناه إنما جاز للمكلف الاعتماد عليه و الرجوع إليه عند الضرورة بفقد الإمام المرشد و لو كان الإمام ظاهرا ما وسعه غير الرد إليه و العمل على قوله و هذا كقول خصومنا كافة إن على الناس في نوازلهم بعد النبي ص أن يجتهدوا فيها عند فقدهم النص عليها و لا يجوز لهم الاجتهاد و استعمال الرأي بحضرة النبي ص. فإن قال فإذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الإمام فقد استغنيتم عن الإمام. قيل له ليس الأمر كما ظننت في ذلك لأن الحاجة إلى الشي‏ء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها و لو لا ذلك ما كان الفقير محتاجا إلى المال مع فقده و لا المريض محتاجا إلى الدواء و إن بعد وجوده و الجاهل محتاجا إلى العلم و إن عدم الطريق إليه و المتحير محتاجا إلى الدليل و إن يظفر به. و لو لزمنا ما ادعيتموه و توهمتموه للزم جميع المسلمين أن يقولوا إن الناس كانوا في حال غيبة النبي ص للهجرة و في الغار أغنياء عنه و كذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب ع و كان قوم موسى ع أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه و كذلك أصحاب يونس ع أغنياء عنه كما ذهب مغضبا و التقمه الحوت و هو مليم و هذا مما لا يذهب إليه مسلم و لا ملي فيعلم بذلك بطلان ما ظنه الخصوم و توهموه على الظنة و الرجوم و بالله التوفيق

البيعة الكريمة

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد خطبته ( عليه السلام ) تتم البيعة معه ، بيعة أهل السماء والأرض ؛ بيعةٌ يبدؤها أمين وحي الله جبرئيل ( عليه السلام ) ، ثم المؤمنون الكرام.

ففي حديث الامام الصادق ( عليه السلام ) : 1 ـ البحار ، ج 53 ، ص 9 ، وتلاحظ خطبته في حديث الامام الباقر ( عليه السلام ) في تفسير العياشي ، ج 2 ، ص 56.


2 ـ البحار ، ج 52 ، ص 343 ، باب 27 ، حديث 91.

3 ـ البحار ، ج 53 ، ص 238.



(52)

« إنّ أول من يبايع القائم ( عليه السلام ) جبرئيل ( عليه السلام ) ... » (1).

وفي الحديث الآخر :

« فيبعث الله جلَّ جلاله جبرئيل ( عليه السلام ) يأتيه فينزل على الحطيم ، ثمَّ يقول له : إلى أيِّ شيء تدعو ؟

فيخبره القائم ( عليه السلام ) ، فيقول جبرئيل ( عليه السلام ) : أنا أوَّل من يبايعك ، ابسط يدك.

فيمسح على يده ، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعونه ، ويقيم بمكّة حتّى يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس ، ثم يسير منها الى المدينة » (2).

وفي الحديث الآخر :

« يا مفضّل ، كلُّ بيعة قبل ظهور القائم ( عليه السلام ) فبيعته كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايِع لها والمبايَع له.

يا مفضّل يسند القائم ( عليه السلام ) ظهره إلى الحرم ويمدُّ يده ، فتُرى بيضاء من غير سوء ويقول : هذه يد الله ، وعن امر الله ، وبأمر الله.

ثمَّ يتلو هذه الآية : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهَ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) (3) الآية.

فيكون أوَّل من يقبّل يده جبرئيل ( عليه السلام ) ، ثمَّ يبايعه ، وتبايعه الملائكة ونجباء الجنِّ ، ثمَّ النقباء » (4).

فتتم البيعة والمعاهدة معه على الطاعة ، ويكون السلام عليه بنحو : « السلام 1 ـ البحار ، ج 52 ، ص 285 ، ب 26 ، ح 18.


2 ـ البحار ، ج 52 ، ص 337 ، ب 27 ، ح 78.

3 ـ سورة الفتح ، الآية 10.

4 ـ البحار ، ج 53 ، ص 8 ، ب 25 ، ح 1.


(53)

عليك يا بقية الله » ، كما في الحديث (1).

وتكون بيعة أنصاره معه على الأمور التالية :

على أن لا يسرقوا ، ولا يزنوا ، ولا يسبّوا مسلماً ، ولا يقتلوا محرّماً ولا يهتكوا حريماً محرماً ، ولا يهجموا منزلاً ، ولا يضروا أحداً إلاّ بالحق ، ولا يكنزوا ذهباً ولا فضّة ولا بُرّاً ولا شعيراً ، ولا يأكلوا مال اليتيم ، ولا يشهدوا بما لا يعلمون ، ولا يخربوا مسجداً ، ولا يشربوا مسكراً ، ولا يلبسوا الخزّ ولا الحرير ، ولا يتمنطقوا بالذهب ، ولا يقطعوا طريقاً ، ولا يخيفوا سبيلاً ، ولا يفسقوا بغلام ، ولا يحبسوا طعاماً من بُرّ أو شعير ، ويرضون بالقليل ، ولا يشتمون ، ويكرهون النجاسة ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويلبسون الخشن من الثياب ، وبتوسّدون التراب على الخدود ، ويجاهدون في الله حق جهاده ، ويشترط على نفسه لهم أن يمشي حيث يمشون ، ويلبس كما يلبسون ، ويركب كما يركبون ، ويكون من حيث يريدون ، ويرضى بالقليل ، ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً ، يعبد الله حق عبادته ، ولا يتخذ حاجباً ولا بوّاباً » (2).

وبالرغم ممّا يتمتع به أصحابه الكرام من الدرجات العالية ، والعدالة الروحيّة ، تكون هذه الشروط توثيقاً للحكم ، وتأكيداً في الأمر ، وتعليماً للحياة المثاليّة التي تخصّهم لقيادة الكرة الأرضيّة وهي بيعة ميمونة يشمل خيرها جميع الموجودات في مسيرة الحياة. 1 ـ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 470 ، ب 106 ، ح 2.


2 ـ منتخب الأثر ، ص 469.

سيرته و احكامه عند قيامه

بسم الله الرحمن الرحيم
واما سيرته (عليه السلام) عند قيامه وطريقة احكامه وما يبينه اللّه تعالى من آياته، فقد جاءت الآثار به حسب ما قدمناه فروى المفضل بن عمر الجعفي، قال: سمعت ابا عبد اللّه جعفر بن محمد (عليهما السلام)، يقول: اذا أذن اللّه تعالى للقائم في الخروج، صعد المنبر، فدعا الناس الى نفسه وناشدهم باللّه ودعاهم الى حقه، وان يسير فيهم بسنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، ويعمل فيهم بعمله، فيبعث اللّه جل جلاله جبرائيل (عليه السلام) حتى يأتيه فينزل على الخطيم يقول الى أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم (عليه السلام)، فيقول جبرائيل أنا أول من ابايعك، ابسط يدك فيمسح على يده وقد وافاه ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، فيبايعونه ويقيم بمكة حتى يتم اصحابه عشرة آلاف نفس، ثم يسير منها الى المدينة.

وروى محمد بن عجلان، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس الى الإِسلام جديداً، وهداهم الى امر قد
320

دثر(1) فضل عنه الجمهور وانما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي الى أمر مضلول عنه ( قد ضلوا عنه خ د) وسمي بالقائم لقيامه بالحق.

وروى عبد اللّه بن المغيرة، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: اذا قام القائم من آل محمد (عليهم السلام)، اقام خمسمئة من قريش، فضرب اعناقهم ثم أقام خمسمئة اخرى فضرب اعناقهم، ثم خمسمئة اخرى، حتى يفعل ذلك ست مرات، قلت ويبلغ عدد هؤلاء هذا، قال نعم منهم ومن مواليهم.

وروى ابو بصير، قال: قال ابو عبد اللّه (عليه السلام): اذا قام القائم (عليه السلام) هدم المسجد الحرام حتى يرده الى أساسه، وحول المقام الى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة. وكتب عليها هؤلاء سراق الكعبة.

وروى ابو الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام)، في حديث طويل، أنه قال: اذا قام القائم (عليه السلام) سار الى الكوفة فخرج منها بضعة عشر الف نفس يدعون البترية(2)، عليهم السلاح، فيقولون له ارجع من حيث شئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتي يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة، فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتلها، حتى يرضي اللّه عز وعلا.

وروى ابو خديجة، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: اذا قام القائم (عليه السلام) جاء بامر جديد، كما دعا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) في بدء الإِسلام الى امر جديد.


_____________________

(1) أي اندرس.

(2) البترية بضم الباء: فرقة من الزيدية قائلون بامامة ابي بكر وعمر وان اخطأت الأمة في البيعة لهما مع وجود علي (عليه السلام) لكنه خطأ ليس على درجة الفسق وتوقفوا في عثمان، ولعل المذكورين قوم من اعقابهم يسمون بهم، اذ من عقائد البترية بل مطلق الزيدية الخروج مع من ولده علي بن ابي طالب بادعائه الإِمامة.

321

وروى علي بن قبة، عن ابيه، قال: اذ قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق الى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإِسلام، ويعرفوا بالإِيمان، اما سمعت اللّه سبحانه يقول: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً، وكرهاً، واليه يرجعون)، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم)،، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته، ولا لبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين، ثم قال: إن دولتنا آخر الدول ولم يبق اهل بيت لهم دولة الا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا اذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة (بسيرة خ د) هؤلاء وهو قول اللّه تعالى والعاقبة للمتقين.

وروى ابو بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، انه قال: اذا قام القائم (عليه السلام) سار الى الكوفة، فهدم بها اربعة مساجد، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرُف(1) الا هدمها، وجعلها جُمّاً(2) ووسع الطريق الاعظم، وكسر كل جناح(3) خارج في الطريق، وابطل الكنف والمآزيب(4) ولا يترك بدعة الا أزالها ولا سنة الا أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين، كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثم يفعل اللّه ما يشاء، قال: قلت له جعلت فداك، فكيف يطول السنين؟ قال يأمر اللّه تعالى الفلك باللبوث(5) وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون، قال: قلت له انهم يقولون ان الفلك ان تغير فسد قال ذلك قول الزنادقة، فاما المسلمون فلا سبيل لهم الى ذلك،

________


_____________________

(1) جمع شرفة بضم الشين وهو من القصر ما اشرف من بنائه.

(2) جمع اجم وهو البناء الذي ليس له شرف.

(3) وهو ما خرج من البناء عن اصوله في الشارع.

(4)الكنف: جناح الابنية، والمآزيب هي مجاري الماء من السطح.

(5) أي التوقف.

322

وقد شق اللّه تعالى القمر لنبيه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون (عليه السلام)، وأخبر بطول يوم القيامة وأنه كالف سنة مما تعدون.

وروى جابر، عن ابي جعفر (عليه السلام)، انه قال: اذا قام قائم آل محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، ضرب فساطيط(1) لمن يعلّم الناس القرآن، على ما انزل اللّه عز وجل، فاصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنه يخالف فيه التأليف.

وروى المفضل بن عمر، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: يخرج مع القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبع وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق، وبه يعدلون، وسبعة من اهل الكهف ويوشع بن نون، وسليمان، وابو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه انصاراً وحكاماً.

وروى عبد اللّه بن عجلان عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: اذا قام قائم آل محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام)، ولا يحتاج الى بينة، يلهمه اللّه تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استنبطوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم.

قال اللّه سبحانه ان في ذلك لآيات للمتوسمين وانها لَبِسَبيلٍ مقيم. انتهى.

ولنختم الكلام: بهذا الدعاء المروي عن الإِمام الهمام، موسى بن جعفر، صلوات اللّه عليه: (اللهم صل على محمد وآل محمد، وعلى منارك في عبادك، الداعي اليك باذنك القائم بأمرك، المؤدي عن رسولك، عليه وآله السلام، اللهم اذا اظهرته فانجر له ما وعدته، وسق اليه


_____________________

(1) جمع فسطاط وهو البيت من شعر.

323

اصحابه، وانصره وقوّ ناصريه، وبلغه افضل امله واعطه سؤله، وجدد به عن محمد وأهل بيته، (عليهم السلام) بعد الذل الذي قد نزل بهم، بعد نبيك فصاروا مقتولين، مطرودين، مشردين، خائفين، غير آمنين، لَقُوا في جنبك الاذى والتكذيب، ابتغاء مرضاتك، وطاعتك، فصبروا على ما اصابهم فيك، راضين بذلك مسلمين لك، في جميع ما ورد عليهم وما يرد اليهم، اللهم عجل فرج قائمهم بأمرك، وانصره وانصر به دينك، الذي غُيِّر وبدل، وجدد به ما امتحى منه وبدل بعد نبيك (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، اللهم صلِّ على جميع النبيين، والمرسلين الذين بلغوا عنك الهدى واعتقدوا لك المواثيق بالطاعة، اللهم صل عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم والسلام عليهم ورحمة اللّه وبركاته).

وفيما رسمناه من موجز تاريخهم (عليه السلام) ومختصر من اخبارهم كفاية فيما قصدناه، واللّه ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل. كتبه بيمناه الوازرة عباس بن محمد رضا القمي في ليلة الجمعة الآخر من شهر رمضان سنة 1343 في المشهد المقدس على ساكنه السلام.

شبهة صغر سن الامام عند توليه منصب الامامه

بسم الله الرحمن الرحيم
الأولى: لو يشكل علينا أحد، إنا نقول: لما غاب إمامنا الثاني عشر المنتظر كان سنه خمس سنين وكان صبيا لم يبلغ الحلم، ومع ذلك نقول: أن الإمامة كانت حاصلة له في ذلك السن، وهذا مما لا يمكن، إذ أقل مراتب الإمامة والولاية: البلوغ والكمال. فجوابه: إن العقل لا يستبعد عن الله عز وجل، أن يتخذ أحدا وليا ويجعله نبيا، أو وصيا أو إماما للناس وهو صبي لم يبلغ الحلم، لأنه قادر على إيجاد كل شئ ممكن، كما فعل بيحيى وعيسى، فمع كونهما صبيين - بل الأخير كان رضيعا - آتاهما الحكمة والعقل والكمال، وجعلهما نبيين كما تدل على رسالة يحيى الآية الشريفة الفرقانية:(يا يحيى خذ الكتاب بقوة، وآتيناه الحكم صبيا)(5) وعلى نبوة عيسى قوله تعالى:(قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال أني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)(6) فكذلك إمامنا الثاني عشر عجل الله فرجه، قد آتاه الله الحكمة، وجعله إماما وهو صبي، ونذكر بملاءمة المقام قول العلامة ابن حجر الذي يدل على أن محمدا ابن الحسن العسكري(قد آتاه الله الحكمة في الصبا) لكي يدرأ شكوك المتشككين، وهو في كتابه(الصواعق المحرقة) ص 124 ط مصر في ذكر أبي محمد الحسن الخالص ابن علي عليه السلام ما لفظه:(ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر، قيل: لأنه ستر بالمدينة وغاب، فلم يعرف أين ذهب

سفراء الامام المهدي عليه السلام

السفير الأول: عثمان بن سعيدالمكنّى بأبي عمر.
الملقب بالعمري، السَمّان، الزَيّات، الأسَدي، العَسْكري.
وكان يُلقَّب بـ ((السَمَّان)) و ((الزَيَات)) لأنه كان يتَّجر بالسَمْن والزيت، تغطيةً على مقامه، وتقيةً من السلطة، فكان الشيعة يحملون إليه الأموال والرسائل، فيجعلها في جِراب السَمن وزِقاقه ــ كي لا يعلم بذلك أحد ــ ويبعثها إلى الإمام.
لقد كان للعمري شرفُ خُدْمة الإمام الهادي عليه السلام يومَ كان عمْره إحدى عشرة سنة، وهذا يدلُّ على ما كان يَتمتَّع به من الذكاء، والعقل، والرُشْد الفِكْري المُبكِّر، والمؤهِّلات التي منها العدالة والوثاقة والأمانة، والله يَختَصُّ برحمته مَنْ يشاء.
رُوي عن أحمد بن إسحاق قال: سألت الإمام الهادي عليه السلام وقلت: مَنْ أُعامِل؟ وعمَّنْ آخُذ؟ وقَولَ مَنْ أقبَل؟
فقال الإمام: ((العْمري ثِقَتي، فما أدّى إليك عنِّي فَعَنِّي يؤدّي، وما قالَ لكَ عنِّي فَعَني يقول، فاْسمَعْ له وأطِعْ، فإنَّه الثِقَة المأمون)).
و ــ بعد وفاة الإمام الهادي(ع) زادَ الله العمْريَّ شَرَفاً على شرفه، إذْ صار وكيلاً للإمام العسكري(ع) أيضاً.
فقد رَوي عن الإمام الحسن العسكري(ع) أنَّه قال ــ لأحمد بن إسحاق ــ: ((العمْري واْبُهُ ثِقَتان، فما أدَّيا إليكَ عنِّي فَعَنِّي يُؤدِّيان، وما قالا لك فَعَنِّي يقولان، فاسمَعْ لهما وأطِعْهُما، فإنَّهما الثَقَتان المأْمُونان)).
وقد كَتَب الإمام العسكري(ع) كتاباً مفصَّلاً إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري، نقتطف منه كلمةً تتعللق بالمترجَم لَه: ((... فلا تَخْرُجَنَّ مِن البَلْدة حتى تَلقى العمْري (رَضِيَ الله عنه بِرِضايَ عنه) وتُسلِّم عليه وتَعْرفه ويَعرفك، فإنَّه الطاهر الأمين، والعفيف، القريب مِنّا وإلينا...))
وروي عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله السجستاني، قالا: دَخَلْنا على أبي محمد الحسن(ع) بِسُرَّ مَنْ رأى، وبين يديه جماعة مِن أوليائه وشيعته، حتى دخل بَدْرٌ خادمُه، فقال: يا مولاي.. بالباب قومٌ شُعْثٌ غُبْر فقال لهم (أي: قال الإمام الحسن لبَدْر: (فاْمضِ فأْتِنا بعثمان بن سعيد العمْري). فما لَبِثنْا إلاّ يسيراً حتى دخل عثمان، فقال له سيِّدُنا أبو محمد(ع): (إمضِ يا عثمان فإنَّكَ الوكيل، والثِقَة المأْمون على مالِ الله، واْقبِضْ مِن هؤلاء النَفَر اليمَنِيَّين ما حَملوه مِن المال)....
ثم قُلنا ــ بأجْمَعِنا ــ: يا سيِّدنا.. والله إنَّ عثمان بن سعيد لَمنْ خِيار شِيعتِكَ، ولقد زِدْتَنا عِلْماً بموضعه مِن خُدْمَتِكَ، وإنَّه وكيلك وثِقَتك على مال الله)؟
قال(ع): (نعم.. واشْهَدوا على أنَّ عثمان بن سعيد العمْري وَكيلي، وأنَّ إبْنَه محمداً وكيلُ إبني: مهْديِّكم).
وروي عن جماعة من الشيعة، منهم: علي بن بلال، وأحمد بن هلال، والحسن بن أيوب، وغيرهم ــ في خبرٍ طويلٍ مشهور ــ قالوا جميعاً:
إجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري(ع) نَسْأَله عن الحُجَّة مِن بعده، وفي مَجْلسِه أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد العمْري فقال له: يا بن رسول الله أُريدُ أنْ أسألكَ عن أمْرٍ أنتَ أعْلمُ به مِنِّي؟
فقال الإمام(ع): أُخْبركم بما جِئتُم؟
قالوا: نعم يا بن رسول الله.
قال: (جِئتُم تَسألوني عن الحُجَّة مِن بعدي).
قالوا: نعم.. فإذا غلام كأنَّه قِطْعَة قَمَر، أشْبَه الناس بأبي محمد (العسكري).
فقال: (هذا إمامكم مِن بعدي، وخَليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تَتَفرَّقوا مِن بعدي فَتَهلكوا في أدْيانكم.
ألا: وإنكم لا تَرَوْنه بعد يومكم هذا حتى يَتُمَّ له عُمْر، فاْقبَلوا مِن عثمان ما يقوله، واْنتَهوا إلى أمْرِه، واْقبلوا قوله..).
كما وان الإمام العسكري (عليه السلام) كان قد أمر العمري بعد ولادة الإمام المهدي(عج) ــ أنْ يَشتري آلاف الأرطال مِن اللحم والخُبز، ويُوزِّعها على الفُقراء، ويَعقَّ عدداً مِن الأغنام عن وَلَدِه الإمام المهدي(عج).
وكان العمْري يَسكن في بغداد، ويُكثِر السَفَر إلى سامراء لِيلتقي بالإمامين: الهادي والحسن العسكري(ع).
ويُستفاد مِن بعض الروايات أن العمْري حضَرَ تَغْسيل الإمام العسكري(ع) وتَحْنيطه وتَكْفينه ودَفنه. ولا نقول: إنَّه باشَرَ ذلك بنفسه، فالإمام لا يُغَسِّلُه إلاّ الإمام كما هو ثابت. ولا يُهمُّنا إنْ كان التاريخ أهَمَلَ قضية تَغْسيل الإمام المهدي أباه، ولم يتعرَّض لذلك، فالعقيدة ثابتة.. سواء ذَكَرَ التاريخُ ذلك.. أو لم يَذْكُره.
وبعد وفاة الإمام الحسن العسكري(ع) أبقى الإمامُ المهدي(عج) العمْريَّ على وكالته، وعلى هذا.. يُعتبر العمْري النائب الأول للإمام المهدي (عج).
وهكذا.. كان العمْري هَمْزَةَ وَصْلّ بين الإمام المهدي وشيعته، في مُراسَلاتهم وقضاياهم، وصَلِّ مَشاكِلهم.
ويَعلَمُ الله تعالى عدد لقاءاته مع الإمام المهدي(عج) وتَشَرُّفه بالمثول بين يديه، ويَعلم الله كيفية تلك اللقاءات مقدارها يومياً؟ أُسبوعياً؟ شَهْرياً؟ أو حسب الظروف والحاجة، في حين كان الملايين مِن الشيعة محرومين عن هذا الشَرَف، وفاقِدين لهذا التوفيق.
نعم... إنَّ الأمانة والمصلحة كانتا تَفْرضان على العمْري أنْ لا يَبوح بهذا السِرّ للناس، ليبقى السِرُّ مكتوماً ويُدفَن مع صاحبه.
وقد رُويَ أنَّ عبد الله بن جعفر إلتقى بالعمْري ــ بعد وفاة الإمام الحسن العسكري(ع) ــ فأقسَمَ على العمْري وحَلَّفَه قائلاً: فأسألك بحقِّ الله وبحقِّ الإمامين الذَين وثَّقاك هل رأيتَ إبنَ أبي محمد الذي هو صاحبُ الزمان؟
فبكى العمْري مِن هذا الإحراج، واشتَرطَ على عبد الله بن جعفر أنْ لا يخبر بذلك أحداً ما دام العمْري حَيّاً، وقال: قد رأيتُه(ع)... إلى آخركلامه.
وخلاصة الكلام: إنَّ العمْري كان مِن النَوابغ... فِكراً وعقلاً، أضِفْ إلى ذلك مَزاياه الخاصَّة كالتقوى والوَرَع والأمانة، وغيرها مِن الصفات التي جعلَتْه أهْلاً للنيابة الخاصَّة والوكالة العامَّة، فالعمرْري كان مَغْموراً بالسعادةِ وشَرَفِ خِدْمة الأئمة (ع) قبل أنْ يَبلُغ الحُلُم، إلى أنْ فارَقَ حياته السعيدة المبارَكة.
ومِن الواضح أنَّ الأئمة الثلاثة " الهادي والعسكري والحجة" (سلامُ الله عليهم) إنما انتخبوه واختاروه لهذا المنصب الخطير والمكانة السّامية لوجود المؤهلات فيه.
ولقد أمَرَه الإمامُ المهدي(عج) أنْ ينصِب وَلَدَه محمد بن عثمان مِن بعْدِه، ليتولّى الأمور بعده.

السفير الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد.
المكنّى بأبي جعفر.
الملقب بـ العمْري، العسكري، الزَيّات.
لقد كان مِن حُسْنِ حَظِّ عثمان بن سعيد العمْري أنْ رزَقَه الله تعالى وَلَداً صالحاً يَشْبه أباه في المؤهِّلات والمزايا والفضائل، ومَنْ يُشابِه أبَهُ فما ظَلَم، وأنَّ الإمام الحسن العسكري(ع) نصَّ عليه وعلى أبيه حيث قال: العمْري وابنُه ثِقَتان... وقال:... وإنَّ إبنَه محمداً وكيلُ ابني، مهديِّكم.
فاختارَه مولانا الإمام العسكري(ع) ليقوم مقام أبيه عثمان، ويُمارس أعماله.
وقد بعث الإمام رسائَل متعدِّدة إلى زعماء الشيعة، يُخبرهم ــ فيها ــ بأنَّه قد عيَّن محمد بن عثمان نائباً عنه ومنها الرسالة التي كتَبَها الإمام ُ إلى محمد بن إبراهيم بن مَهْزيار الأهوازي، وقد جاء فيها:
... والابنُ (وقاهُ الله) لم يَزَلْ ثِقَتنا في حياة الأب (رَضيَ الله عنه وأرْضاه، ونَضَّرَ وجْهَه) يَجري عندنا مَجْراه، ويَسُدُّ مَسَدَّه، وعن أمْرِنا يأمُرُ الابنُ، وبه يَعْمل، تَوَلاّه الله، فانْتَهِ إلى قوله.....
ولقد إزداد محمد بن عثمان شَرَفاً على شَرَفِه حيث تَلقّى رسالةً مِن الإمام المهدي (عج) يُعزِّيه فيها بموت أبيه، وقد جاء في الرسالة:
إنَّا لله وإنا إليه راجعون، تَسْليماً لأمْرِه، ورِضاء بِقَضائه، عاشَ أبوكَ سَعيداً، وماتَ حميداً، فَرَحِمَهُ الله، وألْحَقَهُ بأوْليائه ومَواليه عليهم السلام، فلَمْ يَزَلْ مُجْتهِداً في أمْرِهم، ساعياً فيما يُقرِّبُه إلى الله (عزَّ وجَل) وإليهم، نَضَّر الله وجْهَه، وأقالَهُ في مِنْقَلَبِه.
كان مِن كَمالِ سَعادَته أنْ رَزَقَهُ الله تعالى وَلَداً مِثْلك، يَخْلُه مِن بَعْدِه، ويقوم مقامه بأمْرِه، ويَتَرَجَّمُ عليه.
وأقول: الحمد لله، فإنَّ الأنْفسَ طيِّبةٌ بِمَكانك وما جعَلَه الله تعالى فيك وعنْدك، أعانَكَ الله وقَوّاك، وعضَدَك ووفَّقَك، وكان لك وَلياً وحافِظاً، وراعياً وكافياً ومُعِيناً.
لقد كان محمد بن عثمان كأبيه سفيراً بين الإمام المهدي وبين جميع الشيعة في ذلك العَصْر. ومِن الطبيعي أنَّه كان يؤدّي الوظائف الواجبة الملْقاة على عاتِقِه في جوٍ من الكِتْمان والتَقَّية، فكان يَسْتلم أسألة الشيعة والأموال والحقوق الشرعية ويحملها إلى الإمام المهدي (عج) بصورة سِرِّية.
أمّا كيفية إيصَّاله الأموال إلى الإمام فهي مجهولة جِدّاً، فالقضية مُغَطّاة بالغُموض مِن جميع جوانبها.

السفير الثالث: الحسين بن روْح.
المكنّى بابي القاسم. الملقب بـ النَوبَخْتي.
كان الحسين بن روح شخصية مشهورة ومعروفة عند الشيعة وكان ــ قبل تولِّيه النيابة ــ وكيلاً للنائب الثاني محمد بن عثمان، يُشْرِف على أمْلاكه، ويقوم بدَوْر الواسطة بينه وبين زعماء الشيعة، في نَقْل الأوامر والتعليمات والأخبار السِرِّية إليهم.
وبهذا إزدادتْ ثِقَة الشيعة به، بعدما رأوا أنَّ النائب الثاني يَثِق به ويَعتمد عليه، ويَشْهد بِفَضْله ودِينه، ويرَاه أهْلاً لمنصب الوكالة.
وكان الحسين بن روح مشهوراً ومعروفاً بالعقل والرُشْد، ويَشْهد له المُوافق والمخالف، حتى أنَّ العامَّة كانت تُعظِّمه وتَحترمه.
كلُّ هذه الأمور.. كَوَّنَتْ للحسين بن روح رَصيداً شَعبياً، ومكانةً رفيعة عند الناس على اختلاف مستوياتهم واتجاهاتهم ومذاهبهم.
وقبل وفاة النائب الثاني، صدَرَ الأمر من الإمام المهدي(عج) إليه، بأنْ يُقيم الحسين بن روح مقامه في النيابة الخاصَّة، فامتَثَل النائبُ الثاني أمر الإمام، وأعلنَ أن النائب الثالث الذي يقوم مقامه: هو الحسين بن روح، فقد جَمَعَ زعماء الشيعة وشخصياتهم، وقال لهم: إن حدَثَ عليَّ حَدَثُ الموت، فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمِرْتُ أنْ أجعَلَه في موضعي بعدي، فارجعوا إليه، وعوِّلوا في أُموركم عليه.
وقبل وفاة النائب الثاني بساعات، حضَرَ عنده جَمْعٌ غفير من زعماء الشيعة وشيوخهم، فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمْر(عج) والوكيل والثِقَة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعوِّلوا عليه في مُهمّاتكم، بذلك أمِرت، وقد بلَّغْتُ. وكان للنائب الثاني صديقٌ حَميم، اسمه جعفر بن أحمد بن متيل، يُكثِر مجالستَه ومعاشَرته، حتى بَلَغ من أمره أنَّ النائب الثالث ــ في أواخر حياته ــ لم يكن يتناول طعاماً إلاّ ما تهيّأ في منزل جعفر بن أحمد، وكان الكثيرون من الشيعة يَتَوقَّعون أن يكون جعفر هو النائب الثاني، لكن إختيار الإمام المهدي(عج) وقَعَ على الحسين بن روح.
والجدير بالذِكْر: أنَّ جعفر بن أحمد لم يُغيِّر سُلوكَه مع الحسين بن روح ــ بالرغم مِن تفوُّق الأخير عليه ــ بل كان بين يديه كما كان بين يدي النائب الثاني، صديقاً وفياً، يحضر مجلسه، ويُعينُه على أداء مَهامِّه ومسؤوليّاته، إلى أنْ تُوفي الحسين بن روح سنة 326هـ، وكانت مُدَّة سفارته إحدى وعشرين أو إثنتي وعشرين سنة.

السفير الرابع: علي بن محمد.
المكنّى بأبي الحسن. الملقب بـ السَمَري.
إختاره الإمام المهدي(عج) ليكون سفيراً له، فأمرَ الحسين بن روح ــ النائب الثالث ــ بأن يُقيم علي بن محمد السمري مقامه، ونفَّذ الحسينُ بن روح أمْرَ الإمام المهدي(عج) أمّا شخصية علي بن محمد السمري فهي كالشمس لا تحتاج إلى بيان نورها، وثِقتُهُ وجلالَتُه أشْهَر مِن أنْ تُذكر.
ومِن كراماته: أنه أخبرَ ــ وهو في بغداد ــ بموت علي بن الحسين بن بابويه القُمي (والد الشيخ الصدوق) وهو في الرَّيْ ساعةَ وفاته، وكان عنده جماعة من الشيعة، فسجَّلوا الساعة واليوم والشهر، وجاء الخبر ــ بعد سبعة عشر يوماً ــ فكان مُطابقاً لما أخبر به، من حيث اليوم والساعة التي أخبر بها.
وبوفاة السمري إنقطعت السفارة، وانتهت الغَيبة الصُغرى، وأبتدَأتْ الغَيبة الكُبرى التي امتدت إلى يومنا هذا، وسوف تنتهي بظهور الإمام المهدي(عج). وصدَر توقيع مِن الإمام المهدي(عج) إلى السَمَري، قبل وفاته بستة أيام، وقد جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن محمد السمري، أعظَمَ الله أجْرَ إخوانِك فيك، فإنَّك ميِّتت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمْرك، ولا تُوصي إلى أحَدٍ فيقوم مقامَك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة فلا ظهور إلاّ بعد إذْنِ الله ــ تعالى ذِكْرُه ــ وذلك بعد طُول الأمَد، وقَسْوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً... إلى آخر كلامه(عج).
فأخرَجَ السمري هذا التوقيع إلى الناس، فكتَبوه وخرجوا مِن داره، فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له: مَنْ وَصيُّك؟
فقال: لله أمْرٌ هو بالغُه.
وكان هذا آخر كلام سُمع منه، وقضى نحبه (رحمة الله عليه) وكان وفاته سنة 329هـ.

الايات المؤولة بالامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيات المؤولة بالإمام الحجة عليه السلام

بعد أن اتضح معنى التأويل لغة واصطلاحاً عند المفسرين وغيرهم، لننتقل إلى ذكر الآيات القرآنية التي أولت بمهدينا عليه أفضل الصلاة والسلام:

- الآية الأولى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم).(10)

إن هذه الآية من جملة الآيات القرآنية المؤولة بالإمام الحجة روحي له الفداء على الظاهر:

إن الله سبحانه وتعالى قد وَعَدَ المؤمنين الصالحين من هذه الأمة بأن يجعلهم المستخلفين لمن كان قبلهم، أي يجعلهم بدل الذين كانوا من قبل في هذه الأرض، والله تعالى يورث المؤمنين الأرض ويجعلهم يتصرفون فيها حيث يشاؤون، ويحكمون فيها بدين الله، بعد إعطائهم القدرة والسلطة وتوفير جميع الإمكانيات، ويجعل الله خوفهم أمناً، ولا يخافون لومة لائم، فلا يخافون أحداً إلا الله، والله من ورائهم محيط، ولا يقدر عليهم أحد من أصحاب القدرة والهيمنة، ويعبدون الله دون تقية أو مجاراة لأحد، ويتجاهرون بالحق الذي سوف يسيطر على أرجاء المعمورة، والله على نصرهم لقدير.

إن البارئ عزّ وجل (لا يخلف الميعاد) فقد وعد المؤمنين الصالحين من هذه الأمة المليئة بالخطيئات والسيئات أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وتكون حياتهم طاهرة ومطهرة، هو المعنى الظاهري للآية الشريفة.

وقد أجاد وأفاد العلامة القزويني (قدس سره) قائلاً: إن هذا الوعد الإلهي - المؤكد بلام القسم ثلاث مرات، وبنون التأكيد ثلاث مرات أيضاً - لم يتحقق إلى يومنا هذا، ومتى كان المؤمنون الصالحون يتمكَّنون من الحكم على الناس وتطبيق الإسلام بكل حرية، وبلا خوف من أحد؟! ومن هم المؤمنون الذين عملوا الصالحات الذين وعَدَهم الله تعالى بهذا الوعد العظيم؟!.

ولو راجعت تاريخ الإسلام والمسلمين منذ طلوع فجر الإسلام، إلى يومنا هذا لعلمت علم اليقين أن وعد الله تعالى لم يتحقق خلال ألف وأربعمائة سنة.

إنني لا أظن أن مسلماً مُنصفاً يقبل ضميره بأن يكون المقصود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الأمويون، أو العباسيون، لأن التاريخ المتفق عليه بين المسلمين - بل وغير المسلمين - يشهد بأن الأمويين والعباسيين ارتكبوا أعظم الجرائم، وأراقوا دماء أولياء الله، وهتكوا حرمات الله، وكانت قصورهم مليئة بأنواع الفجور والمنكرات.(11)

إن الدين الإسلامي ما زال ولا يزال إلى يومنا هذا مهجوراً مجهولاً، وذلك لوجود التيارات المعاكسة، لهذا النهج الصحيح، ولوجود بقايا الأديان السماوية التي حرفوها عن مسارها الحقيقي، فكل الأديان كانت تبشر بالدين الإسلامي، وكل الملل الآن تسعى لكي تنهش هذا الإسلام الموسوم اليوم!! وهل تعلم لماذا؟.

نعم.. لأنهم عرفوا في كتبهم أن هذه الأرض سوف يحكمها رجل من قريش أو رجل مصلح يقيم العدل والعدالة على وجه الكرة الأرضية بتمامها، وعرفوا أيضاً أن الذي يخرج في آخر الزمان، هو من بني هاشم اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلقه خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلذلك هم يسعون بما في وسعهم لكي ينهشوا هذا الدين من الداخل ومن الخارج، فنلاحظ بين الآونة والأخرى من ينعق ويتفوه على مذهبنا الحق ويستهزئ بالإمام الغائب عليه السلام ويقول أنه أسطورة وحكاية وضعتها الشيعة وعلماؤهم، لكي يسدوا نقصهم!! إذن متى هذا الوعد؟ ومتى يستخلف الله الذين آمنوا في هذه الأرض الواسعة؟ فيكون الجواب وتأويل هذه الآية كما يلي:

1- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (وعد الله الذين آمنوا... يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً) قال: نزلت في القائم وأصحابه.(12)

2- عن ينابيع المودة، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: (هذه الآية نزلت في القائم المهدي).(13)

3- وفي تفسير العياشي: إن علي بن الحسين عليه السلام قرأ آية: (ليستخلفنهم في الأرض) قال: (وهم والله محبوناً أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة). وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(14)

وقال العلامة الطبرسي: فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات: النبي وأهل بيته (صلوات الرحمن عليهم) وتضمنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكين في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي عليه السلام.

وأضاف قائلاً: وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة وإجماعهم حُجَّة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) وأيضاً فإن التمكن في الأرض على الإطلاق لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر لأن الله (عزّ اسمه) لا يخلف وعده.(15)

وأختم النقطة الأولى بكلمات عذبة وعبارات جزلة وردت في قنوت إمام زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف، يبشر بإنجاز الوعد الإلهي:

(.. يا من لا يخلف الميعاد، أنجز لي ما وعدتني واجمع لي أصحابي، وصبّرهم وانصرني على أعدائك.. سيدي أنت الذي مننت علي بهذا المقام وتفضلت به علي دون كثير من خلقك، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تنجز لي ما وعدتني، إنك أنت الصادق، ولا تخلف الميعاد، وأنت على كل شيء قدير).(16)

- الآية الثانية: قال تعالى:-(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).(17)

الظاهر أن المراد بالزبور كتاب داود عليه السلام وقد سمي بهذا الاسم في قوله: (وآتينا داود زبوراً)(18) ، وقيل: المراد به القرآن، وقيل: مطلق الكتب المنزّلة على الأنبياء أو على الأنبياء بعد موسى ولا دليل على شيء من ذلك.

والمراد بالذكر قيل: هو التوراة وقد سماها الله به في موضعين من هذه السورة وهما قوله: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(19) وقوله: (وذكراً للمتقين)(20) وقيل: هو القرآن وقد سماه الله ذكراً في مواضع من كلامه.. والمراد من وراثة الأرض انتقال التسلط على منافعها إليهم واستقرار بركات الحياة بها فيهم، وهذه البركات إما دنيوية راجعة إلى الحياة الدنيا، لتمتع الصالح بأمتعتها وزيناتها فيكون مؤدى الآية أن الأرض ستتطهر من الشرك والمعصية ويسكنها مجتمع بشري صالح يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً.(21)

وقيل في تفسير الأمثل: وكلمة الأرض تطلق على مجموع الكرة الأرضية، وتشمل كافة أنحاء العالم إلا أن تكون هناك قرينة خاصة في الأمر، وإن كان البعض قد احتمل أن يكون المراد وراثة كل الأرض في القيامة، إلا أن ظاهر كلمة الأرض تعني أرض هذا العالم عندما تذكر مطلقة.

ولفظ الإرث، يعني انتقال الشيء إلى شخص بدون معاملة وأخذ وعطاء، وقد استعملت هذه الكلمة في القرآن أحياناً بمعنى تسلط وانتصار قوم صالحين على قوم ظالمين، والسيطرة على مواهبهم وإمكانياتهم.. كما في شأن بني إسرائيل:

(وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها).(22)

وقد وردت هذه البشارة في الكتب السماوية السابقة، على أن الأرض سوف تستخلف من قبل أناس صالحين يرثونها ويرثون من عليها وهي استحقاق ومكافأة لهم من قبل البارئ عزّ وجل.

البشارة في مزامير داود عليه السلام

إن البشارة لم يذكرها القرآن الكريم فحسب!! بل ذكرتها جميع الكتب السماوية إشارة لهذا المعنى الدقيق كما لا يخفى، وإليكم بعض النصوص من مزامير داود عليه السلام:

1- جاء في الجملة 18 من المزمور 37: (إن الله يعلم أيام الصالحين وسيكون ميراثهم أبدياً).

2- جاء في المزمور 37 جملة 27 : (لأن المتبركين بالله سيرثون الأرض، وسينقطع أثر من لعنهم.. ).

إن البارئ عزّ وجلّ قد ذكر حقائق مؤكدة وثابتة على مرّ العصور والدهور سواء في الزبور: (ولقد كتبنا في الزبور) أو في غيره من الكتب السماوية، وقد توجت الآية بـ(لقد) و(أن) المستخدمة للتحقيق والتأكيد وقد ذكر المفسرون أن (وراثة الأرض) في هذه الآية لها معنيان:

أولاً: وراثة الأرض الدنيوية من منافع وغيرها.

ثانياً: وراثة الأرض للصالحين الذين يعبدون الله ولا يشركون بعبادته شيئاً وهذا لا يتحقق إلا بالظهور الأقدس، وسوف يحكم الأنصار الغيارى من الشيعة الأوفياء، جميع الأرض ومن عليها ويصبحون حكام الأرض وسنامها.

فيكون تأويل هذه الآية: كما رواه الشيخ الطوسي في تبيانه عن الإمام الباقر عليه السلام:

(إن ذلك وعد الله للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض).(23)

وفي رواية عن أبي جعفر عليه السلام قال: قوله عزّ وجل: (وأن الأرض يرثها عبادي الصالحون) هم أصحاب المهدي في آخر الزمان.(24)

فهذا مسلم عندنا أن الأصحاب الذين جاهدوا أنفسهم، وثبتت قلوبهم على الولاء الأكمل، والدين الأمثل، وصبروا على تلكم الفترة الطويلة، وهم كاتمون إيمانهم، ولا تعرف سرائرهم!! فالنتيجة سوف يكافئهم الإمام عليه السلام بأحسن مكافأة دنيوية وأخروية، بحيث يجعلهم قادة لحروبه وحكاماً لأرضه التي تفسخت بالعادات السيئة والقوانين الوضعية البائدة التي لا تغني من الحق شيئاً.

- الآية الثالثة: قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).(25)

قال المحقق السيد محمد كاظم القزويني (قدس سره) في تفسير هذه الآية: إن الله تعالى أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم (بالهدى) من التوحيد وإخلاص العبادة، (ودين الحق) وهو دين الإسلام (ليظهره) الظهور - هنا -: العلو بالغلبة بكل وضوح، قال تعالى: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاَّ ولا ذمّة)(26) أي يغلبوكم ويظفروا بكم.

فمعنى: (ليظهره على الدين كله) أي يعلو ويغلب دين الحق على جميع الأديان، فإن كان هذا الكلام قد تحقق وكانت الإرادة الإلهية قد تنجزت فالمعنى أن الله تعالى قد أدحض وزيّف جميع الأديان الباطلة والملل والشرائع المنحرفة، زيّفها بالقرآن وبالإسلام، وبعبارة أوضح: إن الإسلام قد أبطل ونسخ جميع الأديان، وردّ على كل ملحد أو زنديق وعلى كل من يعبد شيئاً غير الله.

أما إذا أردنا أن نتحدث عن الآية على ضوء التأويل، فإن هذا الهدف الإلهي لم يتحقق بعد، فالمسلمون عددهم أقل من ربع سكان الأرض، والبلاد الإسلامية تحكمها قوانين غير إسلامية، والأديان الباطلة تنبض بالحياة والنشاط، وتتمتع بالحرية، بل تجد المسلمين في بعض البلاد أقلية مستضعفة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرّاً، إذن فأين غلبة الحق على الباطل، وأين قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) وفي أي زمان تحقق هذا المعنى؟!!.

لقد ذكرت رواياتنا الشريفة أن هذه الآية الشريفة تتأول بعصر ظهور الإمام صاحب العصر والزمان عليه السلام وفي أيام إشراقه ودولته المباركة.

ودونك أخي القارئ الروايات الواردة في تأويل هذه الآية:

أولاً- تفسير البرهان: عن الكافي عن أبي الفضل عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام ، قلت: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)؟ قال عليه السلام: هو أمر الله ورسوله بالولاية والوصية، والولاية: هي دين الحق. قال: (ليظهره على الدين كله)؟ قال عليه السلام: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.(27)

ثانياً- أما ما ذكره شيخنا المجلسي (قدس سره): فعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن قوله تعالى:.. فقال: والله ما أنزل تأويلها بعد. قلت: جعلت فداك ومتى ينزل؟ قال: حتى يقوم القائم إن شاء الله فإذا خرج القائم لم يبق مشرك.(28)

وبالجملة يتحصل عندنا من خلال هذه الآيات الثلاث التي ذكرناها أن التأويل هو المعنى الباطني للآية القرآنية بعكس التفسير الذي هو المعنى الظاهر للآية، وأن الآيات التي ذكرت قد أولت بإمام زماننا عليه السلام جعلنا الله وإياكم من خدّامه وعبيده والذابين عنه والمستشهدين بين يديه الشريفتين.


الهوامش


(1) فصلت: 42. (2) نور القرآن الملكوتي: السيد محمد حسين الطهراني، ص13 - 28. (3) آل عمران: 7. (4) بصائر الدرجات: ص191 ج1. (5) مجمع البحرين: مادة أول. (6) بيان الأئمة عليهم السلام: ج3 ص193. (7) مجمع البيان: ج1 ص80. (8) الأنبياء: 105. (9) النور: 55. (10) النور: 55. (11) الإمام المهدي عليه السلام من المهد إلى الظهور: ص43 -44. (12) الحجة: ص148. (13) ينابيع المودة: ص425، غيبة الطوسي: ص120. (14) نفس المصدر السابق: ص426. (15) مجمع البيان: ج7 ص152. (16) نهج الدعوات: ص68. (17) الأنبياء: 105. (18) النساء: 163. (19) الأنبياء: 7. (20) الأنبياء: 48. (21) الميزان: ج14 ص329. (22) الأعراف: 137. (23) التبيان: ج7 ص252. (24) تأويل الآيات: ج1 ص332 ح22، البرهان: ج5 ص257 ح5. (25) التوبة: 33. (26) التوبة: 8. (27) البرهان: ج4 ص330. (28) البحار: ج51 ص60.